حكم كفارة اليمين
اليمين وأقسامها
يُعرَّف اليمين في اللغة بالقَسَم، وسُمِّي يميناً لأنّ الناس كانوا إذا تحالفوا ضرب كلٌّ منهم يمينه بيمين صاحبه، واليمين في الاصطلاح الشرعي التأكيد على الأمر بذكر اسم الله سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته عليه، ويُقسَّم من حيث انعقاده وعدم انعقاده إلى ثلاثة أقسم؛ اليمين اللغو؛ وهو اليمين الذي لا يقصد صاحبه به الحلف، بل يجري على لسانه دون إرادة لمعناه، وهذا ليس فيه كفّارة ولا يُؤاخَذ صاحبه به؛ لقول الله تعالى: (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)، والقسم الثاني اليمين المنعقدة؛ وهي اليمين التي ينويها صاحبها ويقصدها فعلاً، وتكون على أمر بالمستقبل، وهذه تجب فيها الكفّارة إن أراد صاحبها الحنث عنها، قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ)، والقسم الأخير هو اليمين الغموس ؛ وهي اليمين التي يحلفها الإنسان وهو يعلم أنّه كاذب فيها، وهذه لا كفّارة فيها، وهي كبيرة من الكبائر، وإنّما يجب على صاحبها التوبة منها وردّ الحقوق إلى أصحابها إن كان قد فوّت بها شيئاً من حقوق الناس، وقد سُمِّيت بالغموس لأنّها تغمس صاحبها في النار، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الكبائرُ: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالديْنِ، وقتلُ النفسِ، واليمينُ الغَموسُ).
كفّارة اليمين وحكمها
جعل الله سبحانه وتعالى لعباده طريقةً للتحلل من اليمين والخروج منها وهي الكفّارة ، وفي ذلك رحمة من الله سبحانه وتعالى بهم، ووضّح الرسول صلى الله عليه وسلم جواز الحنث عن اليمين والعدول عنها في قوله: (من حلف على يمينٍ، فرأى غيرَها خيراً منها، فلْيأتِها، وليكفِّرْ عن يمينِه)، أمّا بيان ماهية الكفّارة فقد بيّنها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم ، حين قال: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). من الآية الكريمة السابقة، يتّضح أن الإنسان مُخيَّر في كفارة اليمين بين ثلاثة أنواع، الآتي:
- إطعام عشرة مساكين ممّا يطعم أهله منه، فيكون لكلّ مسكين منهم مقدار نصف صاع من طعام أهل البلد المعتاد كالأرز مثلاُ، ونصف الصاع يساوي كيلوغراماً ونصفاً تقريباً، وإذا كان المعتاد في بلد الإنسان أن يقدّم الأرز مع شيء من المرق أو اللحم أو غيره فينبغي له أن يعطي المساكين مثله، ولو جمع عشرة مساكين فغدّاهم كفاه ذلك.
- كسوة عشرة مساكين؛ وتكون الكسوة بثوب يصلح للصلاة فيه.
- تحرير رقبة مؤمنة.
فإن لم يستطع الإنسان شيئاً من هذه الخيارات الثلاثة، جاز له حينها أن ينتقل إلى الخيار الرابع في الكفّارة وهو صيام ثلاثة أيام متتابعة، واختلف العلماء في جواز إخراج مقدار الكفّارة نقداً من مال الإنسان على قولين: الأول منهما قول الجمهور وهم لا يُجيزون ذلك، ويقولون إنّ الكفّارة لا تحصل بإخراج مقدارها نقداً بل لا بُدّ من الإطعام أو الكسوة، والقول الثاني قول الأحناف الذين أجازوا ذلك.
فيما يتعلق بحُكم الكفّارة، فقد قال العلماء إنّها واجبة على المسلم إذا حلف يميناً ثمّ أراد أن يحنث عنها، وتسقط عنه إن عجز عن أدائها؛ وذلك لأنّ الواجب يسقط عن الإنسان في حال العجز عنه، واشترطوا لوجوبها ما يأتي:
- أن تكون يمين الحالف منعقدةً؛ وذلك بأن يقصد الحالف القسم على أمر بالمستقبل، فإن لم يقصد الحلف لم يكن فيها كفّارة.
- أن يحلف الإنسان وهو مختار في ذلك؛ فإن كان مُجبرَاً أو مُكرَهاً لم تنعقد يمينه، ولم تجب الكفّارة فيها عند الحنث.
- أن يحنث الإنسان عن يمينه؛ ويكون ذلك بترك ما حلف أن يفعله أو بفعل ما حلف أن يتركه، على أن يكون الحنث بإرادته لا مُكرَهاً عليه، وأن يكون متذكراً لحلفانه لا ناسياً له، فإن كان مُكرَهًا على الحنث أو ناسياً حلفانه لم تجب عليه الكفّارة.
حكم الحنث في اليمين
يمكن أن يكون الحنث في اليمين مباحاً، ويمكن أن يكون سُنّةً أو قد يكون واجباً كذلك، وبيان الحال التي يقع عليها كل حكم فيما يأتي:
- يكون الحنث عن اليمين مباحاً إذا كان الحلف على فعل أمر مباح، أو ترك أمر مباح كذلك، ويُكفّر حينها الإنسان عن يمينه.
- يكون الحنث عن اليمين سُنّةً إذا كان المحلوف عليه ترك أمر مستحب أو فعل أمر مكروه، فالسُّنة له أن يحنث عن يمينه ويفعل الخير، وحينها يكفّر عن يمينه.
- يكون الحنث عن اليمين واجباً إذا حلف الإنسان على ترك واجبٍ أو ارتكاب محرّم، كمن يحلف ألا يصل رحمه، أو يحلف أن يشرب الخمر، فهذا يجب الحنث عن يمينه في حقّه، وعليه كفّارة اليمين.
الاستثناء في اليمين
إن أتْبَع الإنسان يمينه بقوله: (إن شاء الله)، كأن يقول: (والله سأفعل ذلك إن شاء الله)، كان استثناؤه بالمشيئة مانعاً له من الحنث، فلا يحنث إن فعل الأمر أو تركه، لكن ومن أجل أن يقع الاستثناء صحيحاً لا بُدّ من توفّر ثلاثة شروطٍ فيه، فيما يأتي بيانها:
- أن يقصد الإنسان تعليق الأمر المحلوف عليه على مشيئة الله تعالى، وليس مجرد التبرك بذكر الله .
- أن يكون الاستثناء متصلاً باليمين الذي حلفه الإنسان.
- أن يتلفظ الحالف بالاستثناء، فلا يكفيه أن ينويه في قلبه، بل يجب عليه أن يتلفظ به.