حكم قطع صلة الرحم عند الضرر
صلة الرحم في الإسلام
اتسم الدين الإسلامي بأنه دين رحمة وشمولية وعدالة؛ فحين يتطلع الإنسان إلى المكانة العظيمة التي جعلها الإسلام لصلة الرحم يعلم بأن الأمر ليس مقصوراً على الرعاية والعناية، بل هو ردٌّ للحقوق وحفظ للجميل خصوصا مع الوالدين، وأما مع غيرهما فهو نشر للرحمة والمودة بين أطراف المجتمع المختلفة، فكلما ازداد الوعي بهذا الأمر (صلة الرحم) ازدانت البلاد بثوب الألفة والمودة والعطف.
وقد أغلظ الإسلام على قاطع الرحم، وجعل القطيعة سبباً للحرمان من الجنة، كما في الحديث: (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ)، وكذلك فقد شجع على هذا العمل النبيل، وحمّل الإنسان مسؤولية الحفاظ عليه، كما جاء في الحديث: (ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها).
حكم قطع صلة الرحم عند الضرر
- لا يجوز للإنسان المسلم أن يقطع رحمه إلا في حال تيقن الضرر أو غلبة الظن؛ وذلك لأن مصلحة حفظ دين المرء ودنياه من أعظم الأمور التي يحافظ عليها الإنسان المسلم، كما أن الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الضرورات الخمس .
- ومع هذا فلا يجوز للإنسان أن يقطع رحمه بناء على شك أو ظن، بل يقدم لهم النصيحة بقدر الاستطاعة، فإن لم تكن هناك جدوى ولا أثر من هذه النصيحة فإنه يتوجب على الإنسان هجرهم، خاصة إذا كان في هجرهم طريق لصلاحهم، فثمة صنف من الناس لا ينتهون عن منكرهم إلا بهجرهم.
- وقد جاء في الصبر على أذى الرحم حديث جليل يبين ما ينبغي للإنسان المسلم أن يفعله إذا كان له رحمٌ يؤذونه، وهو: (أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ).
- ومعنى (تُسِفُّهُمُ المَلَّ): أي تطعمهم الرماد الحار، وهذا يكون في شدة صنيعهم في مقابل صنيعه الحسن، والذي يؤكد جواز الهجر ما جاء في معنى الحديث: أنه يحمل على الاستحباب لصلة الرحم التي يكون فيها أذى، وبذلك لا يتعين الوجوب، والقاعدة المشهورة عند العلماء تؤكد ذلك: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ثمرة صلة الرحم على الفرد المسلم
جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عليه رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، وأعظم صلة الرحم على الإطلاق تكون للوالدين؛ لأن لهم الحق الأول على الإنسان.
وفي الحديث دلالة على أن المسلم الواصل لرحمه يفوز بمزايا وعطايا عظيمة، منها: البسط في الرزق، وذلك من خلال الزيادة في المال والبركة فيه، والخلف الحسن عن هذا المال المنفق، وأما معنى (يُنْسَأَ في أثَرِهِ) أي: يمدّ له في أجله، ويبارك له فيه، من حيث الزيادة في الإقبال على الطاعات، فالموفق من طال عمره وحسن عمله.