حكم صلاة قيام الليل بعد الوتر
حُكم صلاة قيام الليل بعد الوَتر
الأصل أن تكون صلاة الوَتر آخر الصلاة من الليل؛ وذلك لقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)، ولا حرج في أداء صلاة الوتْر، ثمّ أداء بعض ركعات قيام الليل دون تكرار الوَتْر مرّةً أخرى، وقد فصّل العلماء في ذلك، وبيان ما ذهبوا إليه آتياً:
- الحنفيّة: قالوا بعدم إعادة الوَتْر إن أدّاه المسلم أوّل الليل ثمّ أدّى صلاة التهجُّد؛ استناداً إلى حديث طلق بن علي عن أبيه -رضي الله عنه- أنّه سمع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (لا وِتْرانِ في ليلةٍ)؛ أي أنّ صلاة النافلة تجوز بعد صلاة الوَتْر دون إعادة الوَتْر، ويُستحَبّ أداء الوَتْر جماعةً في رمضان أوّل الليل.
- المالكيّة: قالوا بكراهة صلاة النافلة بعد صلاة الوَتر دون فَصْلٍ بينهما، وتُؤدّى صلاة النافلة ركعتَين ركعتَين، ويُكرَه كذلك أن تُصلّى أربع ركعاتٍ دون تسليم بينها، ويجوز مع الكراهة تعمُّد تقديم الوَتْر مع العَزم على أداء ركعاتٍ من قيام الليل، وقَيّد المالكيّة الكراهة بأن يكون التعمُّد قبل البَدء بصلاة الوَتْر، وإن نوى المُصلّي أداء النافلة بعد الوَتْر، أو حين يُصلّي الوتْر، وفصل بينهما بفاصلٍ عاديٍ، وحتى لو لم يكن نائماً قبل ذلك، جاز له أن يُصلّي نافلةً بعد الوَتْر، أمّا في غير ذلك فهو على الكراهة.
- الشافعيّة: قالوا بجواز أداء ركعاتٍ من قيام الليل بعد صلاة الوتْر وعدم كراهة ذلك؛ فقد ورد أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى ركعتَين بعد أن صلّى الوَتْر.
- الحنابلة: قالوا بجواز التنفُّل في الصلاة بعد أداء الوَتْر، دون تكراره مرّةً أخرى؛ فقد صحّ أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى بعد الوَتْر، وبَيَّن -عليه الصلاة والسلام- أنّ الوَتر لا يُصلّى مرَّتَين في الليلة نفسها، ولا حرج في أداء الوَتْر أوّل الليل في حال الخوف من عدم الاستيقاظ لأدائه ليلاً، كما أنّه لا حرج في أداء صلاة التهجُّد ليلاً بعد أداء الوَتْر؛ لعموم الأدلّة الصحيحة الواردة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك.
قيام الليل بعد صلاة العشاء
يبدأ وقت قيام الليل من بعد صلاة العشاء، ويستمرّ إلى ما قبل الفجر، كما ثبت في صحيح البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ ويقومُ آخِرَهُ، فيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وثَبَ، فإنْ كانَ به حَاجَةٌ، اغْتَسَلَ وإلَّا تَوَضَّأَ وخَرَجَ)، فيجوز للمسلم أن يبدأ قيام الليل من بعد الانتهاء من صلاة العشاء مباشرةً، حتى طلوع الفجر الصادق.
أفضل وقتٍ لقيام الليل
اتّفق أهل العلم على أنّ قيام الليل يكون بعد صلاة العشاء؛ سواءً قبل النوم، أو بَعده، والأفضل أن يكون بعد النوم، إلّا أنّ وقت قيام الليل يمكن تفصيله وتفريعه إلى ثلاث حالاتٍ، بيانها فيما يأتي:
- الحالة الأولى: ذهب الجمهور إلى أنّ أفضل القيام يبدأ بعد منتصف الليل، ويستمر إلى سُدسِه الأخير؛ فينامه المسلم قبل أن يستيقظ مجدّدا لصلاة الفجر، وفي هذا الترتيب اقتداءٌ بنبي الله داود -عليه السلام-، فقد ثبت في ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا).
- الحالة الثانية: إن جعل المسلم الليل نصفَين؛ فالنصف الثاني أفضل لقيام الليل؛ لِما ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).
- الحالة الثالثة: تفضيل الثُّلث الأوسط على الثُّلث الأوّل والأخير، ذلك إن جُعل الليل أثلاثاً؛ لقلّة الغفلة في الثلث الأوسط، كما أنّ العبادة فيه أشقّ؛ ففضّل، كما أنّ المصلّين في الثُّلث الأوسط أقلّ، إلّا أنّ المالكيّة قالوا إنّ الثُّلث الأخير من الليل أفضل لِمَن اعتاد على الصلاة في ذلك الوقت، أمّا مَن لم يَعتَد ذلك؛ فالأفضل أن يُؤدّي قيام الليل في أوّله من باب الاحتياط.