حكم سعد بن معاذ في بني قريظة
حكم سعد بن معاذ في بني قريظة
تولّى الصحابيّ الجليل سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه- التحكيم في يهود بني قُريظة، فحكم عليهم بقتل مُقاتليهم، وسبي ذراريهم، وأن تُؤخذ عقاراتهم للمُهاجرين، فكبّر رسول الله وقال إنه حَكَم فيهم على حُكم رسول الله، وأمّا بالنسبة للمُقاتلين فكان يُقتل منهم البالغين فقط، وأمّا غير البالغ فكان يُؤخذ مع السبي، ولم يكن سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه- قاضياً، ولكنّه كان حَكَماً فقط، ورضيَ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- به وبِحُكمه.
وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لسعد بعد أن سمع حُكمهُ في بني قُريظة: (إنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا علَى حُكْمِكَ، قالَ: فإنِّي أحْكُمُ أنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، قالَ: لقَدْ حَكَمْتَ فيهم بحُكْمِ المَلِكِ)، وكان ذلك في يوم الخميس، الخامس من شهر ذي الحجة، وكان هذا الحُكم فيهم؛ بسبب نقضهم العهد وغدرهم وعدائهم بالمُسلمين، وتحالُفهم مع قُريش في غزوة الأحزاب ، وبعد الغزوة حاصرهم المُسلمون حتى استسلموا، ونزلوا تحت حُكمهم، وناسب حُكم سعد عليهم عِظَم جريمتهم.
أحداث حكم سعد في بني قريظة
عندما تمكّن النبيّ من يهود بني قريظة؛ جاءه جماعة من الأوس ليشفعوا لهم عند النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فقال لهم النبيّ إنه سيُحكّم فيهم رجلاً من خيارهم وهو سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، فرضوا بِحُكمه، وجيء بسعد وكان قد أصابته الجِراح في غزوة الخندق ، كما أن سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه- كان زعيماً للأوس، ومُطاعاً ومتبوعاً عندهم. وقَبِل بنو قُريظة بالنُّزول تحت حُكم سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه-؛ لِاعتقادهم أنه سيرأفُ بهم؛ بسبب تحالفهم مع قومه الأوس، ولِما كان في نُفوس قومه الأوس من الإحسان إلى بني قُريظة، حيث قالوا له عندما جاء: "يا سعد! أجمل في مواليك فأحسن فيهم"، وبعد أن حكم عليهم، كانت هذه علامة على براءته من مُحالفتهم.
وقد أحبّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنْ يُوكّل الحُكم إلى أحد رؤوساء الأوس؛ لِما كان لهم من التّحالف مع بني قُريظة في الجاهلية، فجعلها النبيّ في سعد، فلمّا اقترب سعد من المُسلمين قال لهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن يقوموا إلى سيّدهم، وقال له إنهم على حكمه، فذكّره الأوس ببني قُريظة وعلاقتهم مع حُلفائهم في الجاهليّة، وأنّهم كانوا معهم في السراء والضراء، وذكّروه بترك النبيّ ليهود بني النضير لأُبيّ بن سلول سابقاً، وقالوا له: "فلا تكن أقل من ابن سلول في نفع حلفائه من يهود بن النضير"، وكان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- لا يتكلّم بكلمةٍ، ثم قال: "آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم".
تنفيذ حكم سعد بن معاذ في بني قريضة
أمر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بتنفيذ حُكم سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه-، فأمر بقتل البالغين من رجالهم، فقُتلوا في خنادق حُفرت لهم في سوق المدينة، وبلغ عددهم ما بين الستّمئة والسبعمئة، وأمّا النِساء فلم تُقتل منهم إلا واحدة؛ وهي بنانة امرأة الحكم القرظي؛ لأنها كانت قد رمت على رأس خلاد بن سويد حجراً فقتلته، وقُسّمت أموالهم على المُسلمين، فكان للرجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، وكان في المسلمين يومئذ ستةٌ وثلاثون فارساً، وكان ذلك بعد أن حبسهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بدار بنت الحارث، وهي امرأةٌ من بني النجار، ثُمّ خرج إلى سوق المدينة، وحفر بها الخنادق، ثُمّ بعث إليهم، وضُربت أعناقهم في الخنادق، وفي رواية عن عروة في أنّهم كانوا في دار أسامة بن زيد.
فقُتل جميعُ رجالهم، وفضّلوا القتل على الدُخول في الإسلام، وكان منهم حُيي بن أخطب وعليه حُلة، فمزّقها؛ لكي لا ينتفع بها أحدٌ من المُسلمين، ولما جيء به ليُقتل، قال للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: "والله ما لمت نفسي في عداوتك أبداً"، وبعد إعدامهم قُذفوا إلى الخنادق، وأُلقي عليهم التُراب، وقيل إنّ عددهم كان ما بين الثمانمئة إلى التِّسعمئة، وقد قُتلوا في ليلةٍ واحدة، وكان ممّن تولّى قتلهم علي بنُ أبي طالب ، والزبيرُ بنُ العوام، وكان يهود بني قريظة في السجن يحتجزون سيّدهم كعب بن أسد كُلما أراد المُسلمون أخذ دفعةً منهم، ويسألونه عن عقابهم، فيُجيبهم بالقتل، وقد أسلم من يهود بين قريظة أربعةً منهم، ولم يُقتلوا.