حكم زواج المسيار
زواج المسيار
المسيار لغةً مأخوذٌ من سار يسير سيرًا بمعنى مشى؛ فيقال سار الكلام أي ذاع وانتشر، أمّا زواج المسيار اصطلاحًا؛ فهو عقدٌ شرعيٌّ بين رجلٍ وامرأةٍ مستوفٍ للشروط والأركان، إلّا أنّ الزوجة تنازلت فيه عن بعض حقوقها؛ كالنفقة، أو المبيت، أو السكنى، وزواج المسيار له صورتان بيانهما فيما يأتي:
- الصورة الأولى: أن يتمّ عقدٌ شرعيٌّ بين الزوجين مستوفٍ لكافة الشروط والأركان، إلّا أنّ الزوج يشترط فيه إسقاط النفقة والمسكن، بحيث تبقى الزوجة في مسكنها الخاص، ولا يُكلَّف الزوج بالسكنى والنفقة عليها.
- الصورة الثانية: أن يتمّ عقدٌ شرعيٌّ بين الزوجين مستوفٍ لكافة الشروط والأركان، إلّا أنّ الزوج لا يشترط فيه إسقاط النفقة والمسكن، وإنّما يشترط عدم الالتزام بالقسم بالمبيت عندها، ويجدر بالذكر أنّ هذه الصورة هي الأكثر شيوعًا، حيث يشترط الزوج ذلك لدرء المشاكل التي قد تقع في حال علمت زوجته وأولاده بزواجه.
حكم زواج المسيار
تعدّدت آراء العلماء في حكم زواج المسيار على ثلاثة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:
- القول الأول: قالوا إنّ زواج المسيار محرَّمٌ، وذلك لكونه لا يحقّق المقاصد الاجتماعيّة، والنفسيّة، والشرعية التي من أجلها شرع الزواج، حيث أنّ العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، كما أنّه مخالفٌ لنظام الزواج الذي جاء به الشرع؛ إذ إنّ الزواج في الشرع من مقتضياته تشارك الزوجين في العيش والسكن، والمسيار يُخالف ذلك، كما أنّ القول بجواز زواج المسيار سيؤدّي إلى تساهل الناس في مسألة الزواج وما يُرتّبه من حقوقٍ وواجباتٍ.
- القول الثاني: قالوا إنّ زواج المسيار مباحٌ مع الكراهة، أمّا إباحته؛ فقد استدلوا عليها بأمرين:
- أنّ عقد زواج المسيار عقد مستوفٍ الأركان والشروط، فلم يكن هناك سببٌ للقول بحرمته.
- استدلّوا بما ثبت عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- أنّها عندما كبرت وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها؛ حيث قالت: "يا رَسولَ اللهِ، قدْ جَعَلْتُ يَومِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَومَيْنِ، يَومَهَا وَيَومَ سَوْدَةَ"، أمّا كراهته فقد قالوا بها؛ لكون زواج المسيار لا يُحقق المقاصد التي من أجلها شُرع الزواج من السكن النفسي، ورعاية الأهل والأولاد.
الزواج المشروع في الإسلام
شرع الله تعالى الزواج؛ للحفاظ على النسل واستمرار الخلافة في الأرض، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وليس ذلك فحسب؛ بل حثّ الإسلام على الزواج للقادر عليه، ويظهر ذلك من خلال أحاديث كثيرةٍ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومنها ما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ".
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الإسلام لم يغفل عن الدعوة إلى ضرورة الاهتمام بعقد الزواج؛ حيث وصفه بالميثاق الغليظ، وذلك في قول الله تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) ، كما لم يغفل الإسلام عن تربية الزوجين على احترام عقد الزواج الذي يجمعهما؛ حيث قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .