حكم الربا في الاسلام

حكم الربا في الاسلام

حُكم الربا في الإسلام

يعد أكل الربا من الأمور المحرمة في الإسلام، وقد ورد تحريم الربا في الكتاب والسنّة النبويّة ، كما أجمع العلماء والسَّلف الصالح على تحريمه، وفيما يأتي بيان أدلّة التحريم:

أدلة تحريم الربا في القرآن الكريم

ورد تحريم الربا في عدّة آياتٍ قرآنيّةٍ، وفيما يأتي تفصيل تلك المواضع:

  • استنكر الله -سبحانه- الربا في القرآن، وبيّن أنّه مُنافٍ للفطرة السليمة، وفي المقابل استحسن الزكاة ، قال -تعالى-: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
  • بيّن الله -تعالى- في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ*وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تحريم الربا قَطعاً، وبيَّن قُبحه، والآثار المُترتِّبة عليه؛ من ظلمٍ، وأكلٍ لحقوقٍ الآخرين، وغيرها من الآثار.
  • قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فقد بيّن الله أنّ البيع يختلف اختلافاً قاطعاً لا رَيب فيه عن الربا، إذ إنّ أيّ زيادةٍ على رأس المال مُحرَّمةٌ؛ سواءً أكانت قليلةً، أم كثيرةً.

أدلة التحريم في السنّة

أكّدت نصوص السنّة النبويّة الصحيحة على تحريم الربا بألفاظٍ صريحةٍ، وقد بيّنت بعض الأحاديث الربا المنصوص على تحريمه في القرآن الكريم، كما حرّمت بعض الأحاديث أنواعاً أخرى من الربا لم يَرد ذكرها في القرآن، وفيما يأتي بيان تلك الأحاديث:

  • أكّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على تحريم الربا؛ فقال في خُطبة حجّة الوداع : (أَلَا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا العباسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فإنه موضوعٌ كُلُّهُ).
  • أكّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على تحريم ربا النسيئة؛ فقال: (أَلا إنَّما الرِّبا في النَّسِيئَةِ)، ويُراد بربا النسيئة: الزيادة في أحد العِوضَين مقابل تأخير السداد.
  • حرّمت السنّة النبويّة ربا البيع؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ).
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- بيّنَ نوعاً من الربا يقع ببَيع أصنافٍ مُعيَّنةٍ، وتُقاس عليها غيرها من الأصناف؛ إذ يجب التماثل إن اتّحدَ الجنس، فعلى سبيل المثال يُباع الذهب بالذهب بالمقدار نفسه، وبالتقابُض في مجلس العقد، ولا يُشترَط التماثل إن اختلف الصنفان، وإنّما التقابُض.

دليل التحريم في الإجماع

أجمع السلف الصالح والعلماء من بعدهم على تحريم الربا بأنواعه جميعها.

الحكمة من تحريم الربا

على المسلم أن يمتثل لأمر الله؛ سواءً عَلِم الحكمة من الأمر، أم لم يعلمها، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، ومع ذلك فقد اجتهد العلماء في بيان الحكمة من تحريم الربا، ويُذكَر من تلك الحِكم:

  • الحَدّ من الإسراف ، والرفاهيّة المُبالغ فيهما، وتجنُّب الإفراط في استهلاك الأصناف التي تعتمد عليها حياة الناس؛ فالإسراف من الأمور المذمومة.
  • تجنُّب غِشّ الناس لبعضهم البعض، والحرص على حفظ الأموال من الهلاك، أو الضياع.
  • منع الاحتكار؛ إذ إنّ شيوع التقايُض في أصنافٍ مُعيَّنةٍ يُؤدّي إلى حصر التبادُل فيها.
  • تشجيع الناس على استخدام النقود كوسيطٍ للتبادل، فإن ترتّب الربا على كلّ معاملةٍ ماليّةٍ، فإنّه يُؤدّي بالتالي إلى انعدام المعاملات الماليّة، وممّا يُؤيّد ذلك قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (بعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقالَ في المِيزَانِ مِثْلَ ذلكَ).
  • مَنع ما يُؤدّي إليه ارتكاب نوعٍ من الربا إلى الوقوع في نوعٍ آخرٍ؛ فعلى سبيل المثال قد تؤدّي الزيادة في أحد البدلَين، مع التقابُض في مجلس العقد إلى الزيادة الكُبرى مقابل تأخير التقابُض؛ أي أنّ ربا الفضل قد يُؤدّي إلى ربا النسيئة؛ ولهذا تُحرَّم أيّ وسيلةٍ تُؤدّي إلى الوقوع في مُحرَّمٍ.
  • مَنع الظلم ؛ إذ إنّ في الربا أخذٌ للمال من غير عِوَضٍ، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، كما أنّ آخذ الربا ينال المال دون تعبٍ أو جهدٍ، وإنّما يحصل عليه مقابل تعب الآخر، ودون أن يتعرّض ماله لربحٍ، أو خسارةٍ.
  • مَنع القعود عن العمل ، والسَّعي، والاكتساب بالمنافع المُباحة، كالتجارة، والزراعة، والصناعة، وغيرها من الأموال، الأمر الذي من شأنه تحقيق الغاية من عمارة الأرض، وهو ما لا يؤدّي إليه التعامل بالربا.
  • الحثّ على البِرّ، والخير، والمعروف بين الناس؛ فالربا يؤدّي إلى قَطع التراحُم، وعدم التعاون، أو المواساة بينهم.

للمزيد من التفاصيل عن أضرار الربا الاطّلاع على مقالة: (( أضرار الربا ))

أثر الربا في العقود

اختلف العلماء في الحُكم على البيع الذي خالطه الربا، وذهبوا في خِلافهم إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:

  • القول الأول:بطلان العقد الربوي

قال به جمهور العلماء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وعليه فإنّه يُفسَخ العقد ولا يجوز بأيّ حالٍ؛ إذ إنّ الربا من الأمور المُحرَّمة في الشرع، والمَنهيّ عنها، والنهي في الشريعة يدلّ على التحريم.

وقد استدلّوا بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-: (جَاءَ بلَالٌ بتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مِن أَيْنَ هذا؟ فَقالَ بلَالٌ: تَمْرٌ كانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ، فَبِعْتُ منه صَاعَيْنِ بصَاعٍ لِمَطْعَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ عِنْدَ ذلكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ ببَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بهِ).

  • القول الثاني: فساد العقد الربوي

عدَّ الحنفيّة العقدَ الذي فيه ربا من العقود الفاسدة، ويترتّب على البيع الفاسد مِلك العِوض قَبضاً، ووجوب رَدّه إن كان العِوض قائماً، أو رَدِّ قيمته، أو ما يماثله.

إذ يُفرّق الحنفيّة في فقه المعاملات بين الباطل، والفاسد؛ فالباطل ما لم يترتّب عليه أيّ أثرٍ للمعاملة، أمّا إن ترتّب الفسخ في الشرع فهو يُعَدّ فاسداً، وإن ترتّبت الآثار جميعها فيُعَدّ صحيحاً.

4إسلام
مزيد من المشاركات
فوائد رياضة كرة السلة

فوائد رياضة كرة السلة

الفوائد الجسدية لرياضة كرة السلة زيادة قوة العظام تساهم رياضة كرة السلة في تقوية عظام الشخص الذي يُمارسها؛ حيث تُعتبر الكثير من الحركات الرياضية التي يتم تأديتها أثناء ممارسة هذه الرياضة حركاتٍ وتدريباتٍ شبيهة بتدريبات رفع الأثقال؛ فهي تتطلب أن يقوم الشخص برفع وزنه أثناء عملية الركض، والجري، والقفز بالكرة عبر الملعب، وتؤدي هذه التمارين إلى تقوية العظام وزيادة نموها وكتلتها، مما ينعكس على صحة المرء في المُستقبل البعيد وخاصة أثناء مرحلة الشيخوخة؛ حيث تجعل الشخص قادراً على تجنُب الإصابة بالعديد
السياحة في إسطنبول

السياحة في إسطنبول

إسطنبول تعتبر مدينة إسطنبول من أكبر المدن التركية، وثاني أكبر المدن في العالم من حيث تعداد السكان؛ حيث يبلغ عدد سكان المدينة قرابة (13.4) مليون نسمة، بالإضافة إلى أنّها المركز الاقتصادي والثقافي والمالي لدولة تركيا. إداريّاً تتكوّن إسطنبول من (39) مقاطعة، وتقع على مضيق البوسفور في الشمال الغربي من الدولة، وهي المدينة الوحيدة التي تقع بين قارّتين ( قارة آسيا وقارة أوروبا)، ويُطلق عليها أكثر من اسم هي: القسطنطينية، وبيزنطة، وإسلامبول، والأستانة. أهميّة مدينة إسطنبول كانت مدينة إسطنبول عاصمةً
كيفية الخروج من حالة الاكتئاب

كيفية الخروج من حالة الاكتئاب

الاكتئاب يُعدّ الاكتئاب (بالإنجليزيّة: Depression) من الاضطرابات المزاجيّة التي تتّسم بالشعور بالحزن وفقدان الاهتمام المستمرّين، وهو أكثر من أن يكون شعور بالإحباط لعدّة أيام فحسب، فعادة ما يستمرّ الاكتئاب أسابيع، أو حتّى أشهر. وفي الحقيقة ينجم عن الاكتئاب العديد من المشاكل النفسيّة والجسديّة؛ حيثُ إنّه يؤثّر في شعور المريض، وتفكيره، وتصرّفاته، إضافة إلى أنّ المريض قد يجد صعوبة في إنجاز أنشطته اليوميّة المعتادة، ويشعر أنّ حياته أصبحت بلا قيمة. وتجدر الإشارة أنّ مريض الاكتئاب يحتاج للعلاج
نشأة الحضارة الرومانية

نشأة الحضارة الرومانية

نشأة الحضارة الرومانية تأسست روما وفقًا للأسطورة عام 753 قبل الميلاد، على يد رومولوس وريموس؛ الأبناء التوأم لمارس؛ إله الحرب، وذلك بعد أن تُركا ليغرقا في سلة على نهر التيبر من قبل ملك مدينة ألبا لونجا القريبة، ولكن أنقذتهما ذئبة، وعاش بعدها التوأم يسعيان لهزيمة هذا الملك والانتقام منه، وأنشآ مدينتهما الخاصة على ضفاف النهر في 753 قبل الميلاد. قتل التوأم شقيق الملك، وبعدها أصبح رومولوس أول ملك لروما، والتي سُميت على اسمه، وتعاقب بعده الملوك من السابينية، واللاتينية، والإترورية؛ وهي حضارات
أسباب التضخم

أسباب التضخم

' ارتفاع المعروض النقدي' يلعب المعروض النقدي دورًا أساسيًا في حدوث التضخم، ويحدث ذلك عادةً عند زيادة المعروض النقدي أو طباعة الأموال من قبل البنك المركزي الذي يُمثل الدولة، حيث تكون هذه الزيادة أعلى من النمو الاقتصادي، الأمر الذي يُقلل من قيمة العملة؛ والتي تحدد من خلال كمية العملة المتداولة وتصور أو إدراك العامة حول قيمتها. ' ارتفاع التكاليف' ويُعرف أيضًا باسم تضخم ارتفاع التكلفة، وترتفع أسعار الخدمات والمنتجات نتيجة ارتفاع تكلفة المواد والأدوات المستخدمة في عملية الإنتاج، بالإضافة إلى ارتفاع
أسباب اختلاف الفقهاء

أسباب اختلاف الفقهاء

أسباب اختلاف الفقهاء يعود الاختلاف الواقع بين الفقهاء إلى العديد من الأسباب، وفيما يأتي بيان البعض منها بشيءٍ من التفصيل: تكمُن أحد أسباب الاختلاف بين الفقهاء في عدم بلوغ الدليل، أو عدم فهمه، أو عدم ثبوته، حيث إنّ ذلك وقع وحصل بين الصحابة رضي الله عنهم، حيث بلغت بعض الأحاديث عدداً منهم دون آخرين، ومن الأمثلة التي تؤيّد ذلك ما كان من عدم علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بآداب الاستئذان إلى أن أخبره بها أبو موسى الأشعري بشهادةٍ من الأنصار. تعارض الأدلة؛ حيث إنّ ثبوت الدليل لا يكفي لانعدام
الطريق إلى الجنة

الطريق إلى الجنة

شرط دخول الجنة ما من شكّ أنّ الله -تعالى- خلق الخلق، وأراد لهم الهداية ، والنجاة في الآخرة، وأرسل لهم الرسل عليهم السلام، وشرع لهم الشريعة القويمة؛ ليتقرّبوا من خلالها إلى الله تعالى، فيُكرمهم في الآخرة برضوانه، وجنّاته، لكنّ الله -تعالى- اشترط لمن أراد دخول الجنة شرطاً رئيسياً، لا يصحّ دونه أيّ عملٍ صالحٍ، أو حسنةٍ يقدّمها؛ وهو الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، وإرجاع النية في الاعمال إليه، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
أين تقع عرعر

أين تقع عرعر

تقع مدينة عرعر بالقرب من حدود المملكة العربيّة السعوديّة مع الجمهوريّة العراقيّة، وهي موجودة في أقصى الشمال من المملكة في منطقة سهول صخريّة من الصخر الجيريّ، ومن جنوب هذه المدينة تقع مدينة حائل ومدينة سكاكا ومدينة القصيم، ومن الجهة الغربيّة منها تقع القريّات والمملكة الأردنيّة الهاشميّة. وتعتبر هذه المدينة العاصمة الإدرايّة لمناطق الحدود الشماليّة، وكذلك تُعدّ المركز الحضريّ والتجاريّ لها؛ ففي هذه المدينة تَمّ إنشاء خط لأنابيب الزيت ومحطة ضخ لها، بالإضافة إلى مساكن للعمّال، وكذلك مستشفى. تكثر