حكم الدعاء بعد الصلاة
حكم الدعاء بعد الصلاة
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب الدعاء بعد كلِّ الصلوات، ولم يُذكر خلافٌ في المسألة، سواءٌ للإمام والمأموم والمنفرد، ويُستحَبّ للإمام أن يُقبِل على الناس ويدعو، لأنَّ الدعاء بعد الصلوات المفروضة هو من مواطن الإجابة، لِما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه أسرَّ إلى مسلم بن الحارث -رضي الله عنه- فقال له: (إذا انصرفتَ من صلاةِ المغربِ فقل قبلَ أن تُكلِّمَ أحدًا: اللَّهمَّ أجرني منَ النَّارِ سبعَ مرَّاتٍ، فإنَّكَ إذا قلتَ ذلِك ثمَّ متَّ في ليلتِكَ كتبَ لَك جوارٌ منها، وإذا صلَّيتَ الصُّبحَ فقل كذلِك، فإنَّكَ إذا متَّ في يومِكَ كتبَ لَك جوارٌ منها)، وما ثبت من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: (قيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدُّعاءِ أسمَعُ؟ قال: جوفَ اللَّيلِ الآخرِ ودُبُرَ الصَّلواتِ المكتوباتِ).
ونَقلَ الإمام الغزالي عن مجاهدٍ أنَّ السبب في استجابة الدعاء بعد الصلوات هو أنَّ الله -تعالى- جعل الصلاة في أحسن وأفضل الأوقات، لذا فالدعاء بعدها مستجابٌ. أمَّا أفضل أوقات الدعاء بالإضافة إلى الدعاء بعد الصلوات المكتوبة: شهر رمضان المبارك وخاصّةً في ليلة القدر، وفي جَوف الليل الآخر، وفي حَال إقبال القلب على الله -تعالى-، ودعوة المظلوم، ودعاء المريض، وفي يوم الجمعة، وعند دخول الإمام للخطبة إلى أن تنتهي صلاة الجمعة، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة ، وإذا نام الشخص على طهارةٍ ثمَّ استيقظ من الليل ودعا فيكون دعاؤه مستجاباً.
الأدعية المستحبّة بعد الصّلاة
ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يقرأ المعوّذتين، والإخلاص، وآية الكرسي بعد الصلاة، بالإضافة إلى العديد من الأدعية، ومنها ما يأتي:
- الاستغفار ثلاثاً وقول: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يقول: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ، وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يُهلّل ويقول: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، له النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ).
- التسبيح والتحميد والتهليل ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسع وتسعون وفي تمام المئة يدعو بالذكر المأثور عن النبي؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْر). وتُذكر كلمةُ التوحيد بعد صلاة الصبح عشراً وبعد صلاة المغرب عشراً.
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يستعيذ من أربعة أمور، وكان عددٌ من الصحابةِ يعلّموها أبناءَهم كما يعلمونهم القراءة والكتابة، وهي: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الجُبْنِ، وأَعُوذُ بكَ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وأَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يقول: (رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَومَ تَبْعَثُ، أَوْ تَجْمَعُ، عِبَادَكَ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَسْرَفْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ).
- أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ألّا يَدعَ إذا انتهى من الصلاة هذا الدّعاء: (اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادتِكَ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يقول: (اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الكفرِ والفقرِ، وعذابِ القبرِ).
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتهى من الصلاة يقول: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن عَذابِ النَّارِ، ومِن عَذابِ القَبرِ، ومِن فِتنةِ المَحيا والمَماتِ، ومِن شَرِّ المَسيحِ الدَّجَّالِ).
- صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (من قال في دُبُرِ صلاةِ الفجرِ، وهوَ ثانٍ رجلَيْهِ قبلَ أن يتكلَّمَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ، يُحيي ويُميتُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، عشرَ مرَّاتٍ كُتِبَتْ لهُ عشرُ حسناتٍ، ومُحِيَ عنهُ عشرُ سَيئاتٍ، ورُفِعَ لهُ عشرُ درجاتٍ، وكان يومُهُ ذلكَ كلَُهُ في حِرْزٍ من كلِّ مكروهٍ، وحُرِسَ من الشَّيطانِ، ولَم ينبَغِ لذنبٍ أن يُدركَهُ في ذلكَ اليومِ إلَّا الشِّركُ باللهِ).
أفضل مواطن إجابة الدعاء
ثبت في العديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أنَّ كمال اليقين وحسن التوكل على الله -تعالى-، وكثرة التذلّل له والتّوسل بأسمائه، هي أفضل الأحوال و المواطن التي يُستجاب فيها الدعاء، ومن المواطن الأخرى ما يأتي:
- ليلة القدر، فقد سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّها إذا علمت ليلة القدر ما تقول فيها؟ فقال لها النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: قولي: (اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي). .
- عَقِبَ الصلوات المكتوبة، -وقد تقدّم ذكر الحديث-.
- جوف الليل وخاصةً الثلث الأخير منه، وهو ما يُعرَف بوقت السّحَر، وهو وقت نزول الله -تعالى- نزولاً يَليق بجلاله إلى السماء الدنيا، لا سيّما أنّ الله -تعالى- مدَح المستغفرين بالأسحار في كتابه الكريم.
- بين الأذان والإقامة، فقد ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (الدعاءَ لا يُرَدُّ بيْن الأذانِ والإقامةِ؛ فادْعُوا)، وعند الأذان ، ووقت إقامة الصلاة.
- أثناء السجود، قال الله -سبحانه وتعالى-: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب)، وأثناء الصيام، لأنَّ الله -تعالى- ذكر آية استجابة الدعاء بعد ذكر شهر الصيام في كتابه الكريم، وذَكَر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة الذين لا تُرَدُّ دعوتهم، ومنهم الصائم حين يُفطر.
- يوم عرفة، فقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّ أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، كيف لا وهو يومٌ مبارك يَعتِق الله فيه كثيراً من النّاس من النّار.
- الدعاء باسم الله الأعظم، لأنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمع شخصاً يدعو به، فأخبر بأنَّ دعاءه سيُستجاب، فيتحرّى المسلم الدعاء بأسماء الله -تعالى- ليحظى بهذا الفضل.
- دعاء المضطر، والمسافر، والمظلوم، فقد وصّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل أن يتّقِ دعوة المظلوم عندما أرسله إلى اليمن، وقد ثبت أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ؛ دَعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ).
- ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وقد تعدَّدت الآراء في تحديد هذه الساعة، والمشهور أنها في آخر ساعةٍ بعد العصر من يوم الجمعة ، لما ثبت فيها من الأحاديث، ومنها ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ في الجُمُعَةِ ساعَةً لا يُوافِقُها عَبدٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ فيها خَيْرًا إلَّا أَعطاه إيَّاه، وهي بعْدَ العَصرِ)، والقول الآخر أنّ هذه الساعة تكون من وقت جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، فعلى المسلم أن يدعو في هاتين الساعتين.
فضل الدعاء
الدعاء سلاح المؤمن، وهو طريقه إلى القُرب من الله -تعالى-، وطَلب رحمته ومناجاته دون واسطةٍ ولا حاجب، فمن فُتح له باب الدعاء فُتح له باب الرحمة، وللدعاء فضائل كثيرة منها ما يأتي:
- امتثال أمر الله -تعالى-، فالداعي يستجيب لأمر الله -عز وجل- القائل في كتابه الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
- عبادة الله -تعالى-، فالداعي يحقّق الغاية العظمى من وجوده، من خلال الدعاء ألا وهي العبادة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ).
- فعل أمر يحبّه الله -تعالى-، فهو تحقيق لمرضاة الربِّ، والدعاء من الأمور المُحَببَّة إلى الله -تعالى-، فيتقرّب الداعي إلى الله -تعالى- بشيء كريم عليه ويُحبّه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ شيءٌ أكرَمَ على اللهِ عزَّ وجلَّ مِنَ الدُّعاءِ).
- انشراح الصدر، فقد ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأدعية النبوية المأثورة التي من شأنها أن تُزيل الهموم والغموم عمّن يدعو بها، فالدعاء هو دواءٌ يُزيل ضيق الصدور، ويشفيها من الأحزان والهموم.
- جني ثمار الدعاء، يحصل الداعي على ثمار دعوته إما معجّلةً في الدنيا، وإما مؤجّلةً في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِنْ مُسلِمٍ يَدْعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللهُ إِحْدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّلَ لهُ دعوتَهُ، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها لهُ في الآخِرةِ، وإمَّا أنْ يصرِفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها).
- صلاح القلوب، ذكر ابن تيمية -رحمه الله- أنَّ ما يحصل عليه الداعي من الإيمان بالله ومحبِّته، وتوحيده، ورجائه، واستنارة قلبه وحياته، قد يكون أنفع له مما دعا به خاصّةً إذا كان من أمور الدنيا.
- دفْع البلاء قبل وبعد نزوله، غَفَل كثيرٌ من الناس عن هذه الفضيلة العظيمة للدعاء، ففي الدعاء يَحصل المطلوب، ويُدفع المكروه، والتي ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إِنَّ الدعاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَعليكُمْ عِبادَ اللهِ بالدعاءِ)، وللدعاءِ مع البلاءِ ثلاثةُ أحوالٍ:
- أن يدفع الدعاء البلاء.
- أنَ يقع البلاء مخففاً بسبب الدعاء.
- التساوي بين البلاء والدعاء فيدفع كلّ منهما الآخر، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ).
- سبب الثّبات والنصر على الأعداء، قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ).
- سلاح المظلوم، ومأوى المكسور، وصّى الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن يتّقِ دعوة المظلوم عندما أرسله إلى اليمن -كما تقدم-.
- تحقيق الإيمان والرشاد، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
- إجابة الله لمن يدعوه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ ربَّكم تبارَكَ وتعالى حيِيٌّ كريمٌ، يستحيي من عبدِهِ إذا رفعَ يديهِ إليهِ، أن يردَّهُما صِفرًا).