حكم الابتعاد عن الناس
حكم العزلة والابتعاد عن الناس
يرى أكثر العلماء أنّ الاختلاط بالناس مع التأكّد من السلامة من الفتن أفضل وأكثر استحبابًا، بينما هناك طوائف أخرى تفضّل الاعتزال؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل أي المؤمنين أكمل إيمانًا، فأجاب: (رجُلٌ يجاهِدُ في سَبيلِ الله بنفسِهِ ومالِهِ، ورجُلٌ يَعبُدُ الله في شِعبٍ منَ الشِّعابِ قد كَفيَ النَّاسَ شرَّهُ).
وقد قال جمهور العلماء أنّ هذا الحديث يدلّ على ذلك بأنه في زمن الفتن والحروب، أو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يستطيع الصبر على أذاهم، وقد قال العلماء أيضًا بأن الأنبياء -عليهم السلام- والصحابة والتابعين والعلماء يخالطون الناس فيحصلون على منافع الاختلاط.
ومن هذه المنافع: شهود الجماعات والجنائز، و عيادة المرضى ، وغيرها من الخيرات والأعمال التي تحتاج إلى الجماعة، والمراد بالشعب في الحديث الكهف الذي يعتزل فيه الإنسان ويعبد الله، فالمخالطة والصبر على أذى الناس خيرٌ من الاعتزال والابتعاد عن الناس إلا في أحوالٍ مخصوصةٍ؛ كالفتن والحروب وعدم الصبر على أذى الناس؛ فحينها يكون الابتعاد عن الناس والعيش وحيدًا من كمال الإيمان.
من يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المسلِمُ إذا كانَ مخالطًا النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم خيرٌ منَ المسلمِ الَّذي لا يخالطُ النَّاسَ ولا يصبرُ على أذاهم)، فمخالطة الناس من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نشر الأخلاق الحسنة والفضائل.
وقد فضّل النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم الذي يخالط الناس على الذي يبتعد عنهم ويعتزلهم، فالمسلم الذي يُصلح ما أفسده المجتمع، ويؤثّر فيهم، ويقابل السيئة بالحسنة، ويعفو ويصفح؛ خيرٌ وأكثر ثوابًا وأعظم أجرًا من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يتعامل معهم.
مخالطة الناس باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مخالطة الناس باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يُصاب بعض الدعاة باليأس عندما يرون انحراف الناس وضلالهم عن شرع ربهم وعدم إقبالهم على الهداية أو حتى سماع الحق والخير، فيلجأ الداعي بسبب ذلك إلى الاعتزال ببيته وأن لا يكلم أحد.
لكن رسول الله يُعلّم المسلمين جميعًا في حديث مخالطة الناس والصبر على أذاهم أن للمسلم أجراً عظيماً في مخالطته للناس، وأن عليه الصبر واختيار الصحبة الصالحة التي تُعين وتثبّت على الدين، وتُرشد الإنسان وتمنعه من الوقوع في مكائد الشيطان.
العزلة مستحبة في آخر الزمان وفساد الناس
يقول ابن باز -رحمه الله- في العزلة في آخر الزمان : "تستحب العزلة عند فساد آخر الزمان، وتغيّر الأحوال، وخوف الإنسان على نفسه من الفتن؛ فحينها يستحب له العزلة في شعبٍ من الشِّعاب، أو في قريةٍ من القرى".
ويُكمل فيقول: "ليسلم من شرِّ الفتن، وكذلك إن خشي المسلم على دينه، ولم يتقبل منه أحد أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فحينئذٍ تكون العزلة خيرٌ له وأفضل، أما في باقي الأوقات والأحوال فالاختلاط أولى وأفضل".