حكم الإضرار بالغير في الإسلام
القواعد الفقهية الرئيسية المتعلقة بالضرر
الإضرار بالغير من الأمور التي تناولتها الشريعة ووضعت لها الأحكام والقواعد الفقهية، وهناك قاعدتان أساسيتان متعلقة بالضرر ودفعه عن الناس وهما: لا ضرر ولا ضرار، والضرر هو إيصال المفسدة للغير، والضرار هو مقابلة الضرر بالضرر، وهذه القاعدة تبين أنه لا يجوز الإضرار بالغير سواء أكان هذا الإضرار رداً على ضرر من الآخرين أم لا.
وهذه القاعدة تدخل في كثير من الأحكام الفقهية؛ مثل البيوع والعبادات وحتى الحدود والعقوبات، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ…)، أو أن يبيع البائع سلعةً فيخفي عيبها عن المشتري.
حكم الضرر بالآخرين
يجب التفريق بين نوعين من الضرر؛ الأول ضرر بحق، والآخر ضرر بغير حق؛ فالضرر بغير حق هو التعدي على الآخرين في أموالهم وأعراضهم وحقوقهم، وهذا محرم، أما الضرر بحق فهي تشمل العقوبات والحدود التي يطبقها ولي أمر المسلمين على الجرائم والتعدي على الغير، والضرر بحق جائز.
إذا فاللفظ "لا ضرر ولا ضرار" يفيد النهي والتحريم، كما يتبين من هذه القاعدة أن تحريم إيقاع الضرر على الآخرين فيه منفعة ومصلحة لأفراد المجتمع كافةً، وأيضاً مقابلة الضرر بالضرر محرمٌ.
وهناك قاعدة: "الضرر يُزال"؛ وتندرج تحت هذه القاعدة تحت قاعدة مشتقة منها وهي: "الضرر يزال ولكن لا بالضرر"، فهذا يدل على أن الضرر يجب أن يزال ولا يجوز الإضرار بالغير.
أمثلة على الإضرار بالغير المحرّمة شرعاً
هناك أمثلة كثير وردت فيها نصوصاً شرعية، وتوسَّع في شرحها العديد من الفقهاء في الإسلام، ومنها:
- تحريم إرجاع الزوجة بعد الطلاق إذا قصد الزوج إرجاعها للإضرار بها، قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا).
- تحريم الوصية إضراراً بالورثة والدائنين.
- تحريم طلاق مريض الموت زوجته فراراً من ميراثها.
- سفر الزوج بزوجته بلا حاجة للإضرار بالزوجة.
- رفع الدعاوي للتشهير بالفضلاء بدون وجه حق.
الملكية والإضرار بالغير في الإسلام
يظن البعض أن التصرف في الملكية حق مطلق؛ بحيث إذا تصرف فيها بتصرف يوقع الضرر على الآخرين لم يبالي، وناقش الفقه الإسلامي هذا الموضوع كما يأتي:
- إذا كان الضرر مؤكد الوقوع
بحيث إذا تصرف المالك بملكه تصرفاً معيناً سيلحق الضرر بالآخرين بشكل حتمي؛ فهنا إذا أمكن أن يتصرف المالك في ملكه دون أن يلحق الضرر يحرم الضرر؛ لأنه يتحمل الضرر الخاص في سبيل دفع الضرر العام.
- إذا كان الضرر غالب الوقوع: وهذا يلحق بالنقطة السابقة.
- الضرر الكثير غير الغالب
هو أن يترتب الضرر على الفعل كثيراً في ذاته إذا وقع، ولكن لا يغلب على الظن وقوعه؛ وقد تعددت آراء الفقهاء، "فالمالكية والحنابلة يرون العمل بقاعدة (دفع المضار مقدم على جلب المصالح) واحتمال وقوع الضرر كاف لمنع الفعل، والحنفية والشافعية يرون أن الفعل مشروع في أصله، واحتمال الضرر لا يصلح دليلاً على الضرر المتوقع، فلا يمنع حق لمجرد احتمال الضرر".
- الضرر القليل
بحيث إذا تصرّف المالك بملكه فقد يحدث ضرراً ولكن نادراً، فهنا لا بأس بذلك التصرف لأن العبرة بأصل الحق الثابت، ولا يعدل عنه إلا بسبب الضرر الكثير.