حكم أكل لحم الإنسان عند الضرورة
حدّ الضّرورة التي تبيح للإنسان أن يأكل الميتة
حرّم الله تعالى أكل الميتة بقوله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)،ولكنّ الله تعالى رفع الحرج عن المضطر إذا أكل منها إذا لم يجد الطّعام الحلال ، وأن يأكل منها دون أن يتجاوز الحدّ، ولم يكن يقصد أن يأكل منها عمداً.
وحدّ الضّرورة التي تبيح للإنسان أن يأكل الميتة عند الفقهاء كما يأتي:
- قال الحنفيّة: إذا خاف على نفسه الهلاك أو تلف عضوٍ.
- قال المالكيّة: أن يخاف هلاك نفسه يقينًا أو ظنًا.
- قال الشافعيّة: إذا خاف على نفسه من جوعٍ يضعفه بحيث لا يستطيع المشي أو الرّكوب فينقطع عن رفقته ويضيع، أو خاف أن يطول مرضه، أو أن يصيبه مرضٌ خطير.
- قال الحنابلة: إذا خاف التّلف أو المرض أو الانقطاع عن رفقته.
أقول الفقهاء في حكم أكل لحم الإنسان عند الضّرورة
فيما يأتي ذكر أقول الفقهاء في حكم أكل لحم الإنسان عند الضّرورة:
- القول الأوّل: ذهب الجمهور، الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة في قول، والشافعيّة في وجهٍ عندهم، إلى حرمة أكل لحم الإنسان الميّت حتّى لو اضطر الإنسان إلى ذلك.
- القول الثّاني: ذهب الشافعيّة في الصّحيح عندهم،والحنابلة في القول الثّاني،إلى جواز أكل الإنسان الميّت في حال الضّرورة، واشترط الشافعيّة أن يأكله نيئًا فلا يطبخه ولا يشويه، وأن لا يأكل منه إلّا ما يسدّ رمقه.
أدلّة الفريقين على حكم أكل لحم الإنسان عند الضّرورة
استدلّ الجمهور على حرمة أكل لحم الميّت للمضطر بقول الله -عزّ وجلّ-: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ)،فقالوا: إنّ تكريم الله تعالى للإنسان يقتضي تحريم أكل لحمه ميتا،واستدلّوا بقول النّبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (كسر عظم الميّت ككسره حيًا)،وأنّ الميتة الواردة في الآية لا تنطبق عليه؛ لأنّ الإنسان الميت لا يسمّى ميتة.
واستدلّ الشّافعيّة على جواز أكل لحم الإنسان الميّت للمضطر بقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فالآية عامّة تشمل الآدمي وغيره،واستدلّوا بأنّ حرمة الحيّ آكد وأعظم من حرمة الميّت.
ترجيح العلماء بين الآراء
جاء في كتاب ابن قدامة -رحمه الله- أنّ استدلال الجمهور بقول النّبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (كسر عظم الميّت ككسره حيًا) ، لا دلالة فيه على حرمة أكل لحم الإنسان الميّت عند الضّرورة؛ فالأكل من اللّحم لا العظم، ولأنّ المقصود من الحديث بيان حرمة فعل ذلك لا التشبيه، فكسر عظم الميّت يختلف عن كسر عظم الحيّ من ناحية الضّمان و القصاص .
والحال هنا حال ضرورة، وعند الضّرورة لا يُراعى ما ذكره الجمهور، وحرمة الحيّ مقدمةٌ على حرمة الميّت، وقد راعى الشّافعية حرمة الميّت قدر المستطاع وذلك بتحريم أن يطبخ أو يشوى وأن لا يُؤكل منه إلا ما يسدّ الرّمق، وعموم الآية يدلّ على أنّها تشمل الآدمي وغيره.