حقوق الحيوان في الاسلام
حق الحياة
إن من الخصائص المميزة في الإسلام الشمولية؛ فقد شمل الإسلام كل دقائق الحياة، ونظم علاقة البشر بخالقهم وبين بعضهم وبين كافة خلق الله، وإن أول ما أعلنته مبادئ شريعتنا الإسلامية في مجال الرفق بالحيوان، تقرير أن عالم الحيوان كعالم الإنسان له خصائصه، وطبائعه، وشعوره؛ قال -تعالى-:(وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم).
فللحيوانات في الإسلام كامل الحقوق؛ من حق الرفق، والرحمة، والحياة مثل ما أن هذه الحقوق ممنوحة للإنسان، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ تبارك وتعالى ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمْكم مَن في السَّماءِ).
وقد منح الإسلام الحيوانات حق الحياة، وهدد كل من يقوم بقتلها لغير الحاجة أو تشويهها، ومما جاء في ذلك الأدلة الآتية:
- النهي عن قتل الحيوانات بغير حاجة، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (ما من إنسانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فما فَوْقَها بغيرِ حَقِّها، إلَّا سَأَلهُ اللهُ عَنْها يومَ القيامةِ).
- النهي عن كافة أشكال تعذيب الحيوانات، ومن أشكال التعذيب الكي؛ وهو وسم الحيوان في وجهه بالنار، والنهي عن ضرب الحيوان في الوجه، قال رسول الله -عليه السلام-: (أمَا بَلَغَكُمْ أنِّي لَعنْتُ مَن وسَمَ البَهيمةَ في وجْهِها، أوْ ضَرَبَها في وجْهِها).
- نهى الإسلام عن المُثلة بالحيوان، والمثلة؛ هي قَطَعَ بعضَ أجزاء الحيوان كالأُذنِ والأَنفِ وغيرِها، روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال : (لعَنَ اللهُ مَنْ مَثَّلَ الحيوانَ) .
في هذه الفقرة توضح لنا أن للحيوانات حق في الحياة، وأن الاسلام نهى عن كافة أنواع تعذيب الحيوانات؛ مثل الكي والضرب مع ضرب الأمثلة على ذلك من السنة النبوية.
حق الرعاية الصحية
شرع الإسلام مبدأ الرفق بصورة عامة في جميع شؤون الحياة، وجعل منه سمة تميز المؤمن، وعنصراً يُقوي الإيمان، وفضيلة تزين العمل، وقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ).
وحق الرعاية الصحية للحيوان حقُ ثابت في الإسلام، ومن مظاهر عناية الإسلام بهذا الحق ما يأتي:
- التفريق بين الحيوان السقيم والسليم، وذلك لنهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تختلط الحيوانات المريضة مع الحيوانات السليمة، فقد جاء في الحديث: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ).
- حق الحيوان في الحصول على كفايته من الطعام الشراب، وقد روي عن سهل ابن الحنظلية الأنصاري أنه قال: (مَرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببعيرٍ قد لَحِقَ ظَهرُه ببطنِه، فقال: اتَّقوا اللهَ في هذه البهائمِ المُعجَمةِ، فاركَبوها صالحةً، وكُلوها صالحةً)، أي؛ أن الجمل من شدة جوعه أصبح هزيلاً.
- حق الحيوان في الحصول على العلاج إذا مرض.
- راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحة النفسية للحيوان؛ إذ أنه يشعر ويتألم كالبشر، وكان عليه الصلاة والسلام يشعر بالحيوانات ويحزن عليها إذا ما ظُلِمت من أصحابها، ومن الأمثلة على ذلك:
- روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:(كنا مع رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في سفرٍ، فانطلقَ لحاجتِه فرأينا حُمرةً معها فرخانِ فَأخذنا فَرْخَيْهَا، فجاءتِ الحمرةُ فجعلتْ تفْرِشُ، فجاء النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقال: منْ فجع هذه بِولدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إليها) ، والحمرة؛ هي طائر يشبه العصفور.
- روى عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما-، أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (دخلَ حائطًا لرَجُلٍ مِن الأنصارِ فإذا جَملٌ، فلَمَّا رأى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حنَّ وذرِفَت عيناهُ، فأتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمَسحَ ذِفراهُ فسَكَتَ، فقالَ: مَن ربُّ هذا الجَمَلِ، لمن هذا الجمَلُ؟ فَجاءَ فتًى منَ الأنصارِ فَقالَ: لي يا رسولَ اللَّهِ فَقالَ: أفلا تتَّقي اللَّهَ في هذِهِ البَهيمةِ الَّتي ملَّكَكَ اللَّهُ إيَّاها؟ فإنَّهُ شَكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُهُ وتُدئبُهُ)، والمقصود بقوله -عليه اصلاة والسلام-: "تجيعه وتدئبه"؛ أين أنه كان لا يطعمه جيداً، وكان يحمله فوق طاقته.
توضح هذه الفقرة أن الاسلام أعطى أهمية بالغة للحيوان؛ ومن ذلك منحه حق العناية الصحية من مأكل، ومشرب، ودواء، وتم بيان الأمثلة على ذلك من السنة النبوية.
حق الإيواء
يجب على المسلم إيواء الحيوان الذي يمتلكه في مكانٍ مناسب له، ويعد حق الإيواء من الحقوق التي منحها الإسلام للحيوانات، ويندرج تحت هذا الحق، تخصيص المحميات الطبيعية للحيوانات والتي يمنع فيها الرعي والصيد، وهذه مسؤولية الدولة الإسلامية ويقوم بها وليُّ الأمر، وهذه المحميات كانت مخصصة لرعاية الخيل والإبل المخصَّصة للجهاد، وماشية الجزية، والصدقة، والزكاة، وحيوانات ضعفاء وفقراء المسلمين، والحيوانات الضالَّة التي تحفظها الدولة حتى يعثر أصحابها عليها.
وقد عرفت المحميات الطبيبعة المخصصة للحيوانات باسم الحمى ومن الأمثلة على المحميات التي كانت في الإسلام:
- ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حمى النَّقيعَ لخيلِ المسلِمينَ).
- وروي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (أن عمرَ رضي اللَّهُ تعالى عنهُ حمَى الرَّبَذَةَ لنَعَمِ الصَّدقةِ).
هذا العنوان يوضح أن الاسلام أولى العناية بتهيئة مكان مناسب للحيوانات لتمكث فيه، وهو فيما عُرف بعد ذلك بالمحميات الخاصة بالحيوانات.
حق جودة السلالة
حفظ الإسلام للحيوان جودة نسله، وفي ذلك حماية للحيوان من الإنقراض، قال -تعالى-: (حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا وَفارَ التَّنّورُ قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ)، ففي هذه الآية إشارة إلى أهمية استمرار دورة حياة الحيوانات دون انقراضها أو انقطاع نسلها.
وفيما يخص بجودة السلالة؛ ققد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- إنزاء الحمار على الفرس؛ أي أن تتزاوج ذكور الحمير مع إناث الخيول لِتلِدَ البغال، فقد روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: (أُهْدِيَتْ لِرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بَغلةٌ، فرَكِبَها، فقالَ عليٌّ رضيَ اللَّهُ عنهُ لو حَمَلنا الحميرَ على الخيلِ، لَكانَ لَنا مثلُ هذِهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّما يَفعلُ ذلِكَ الَّذينَ لا يعلَمونَ)، والحكمة من النهي أن ذلك يؤدي إلى رداءة النسل، كما أن فيه قطع للنسل أيضاً، وبذلك حافظ الإسلام على جودة سلالة الحيوانات.
هذا العنوان يوضح أن الإسلام أولى عناية بنسل الحيوانات عموماً، وبجودة سلالة الحيوانات خصوصوا، وقد تم ذكر الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية.