حديث كما تدين تدان
معنى كما تدين تدان
كما تُدين تُدان هو قولٌ لأبي الدّرداء -رضي الله عنه-، حيث قال: "البِرُّ لا يَبْلَى، والإثْمُ لا يُنسَى، والدَّيَّانُ لا يَنام، فكُنْ كَما شِئْت، كَما تَدينُ تُدان"، وتعني: كما تَفعل يُفعلُ بك، وكما تصنع يُصنعُ بك، وما تعمله يُعمل بك، ومنهُ قول الله -تعالى-: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)، وقوله الله -تعالى-: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ).
ومنه كما تفعل تُجازى به. ومنه قولهم: دِنتهُ بما صنع؛ أي جازيته. وهذه المقولة من الحِكَم التي تناقلها الناس عبر الزمن، وهي سنّة من سنن الكون، فقد جاءت الشواهد من القرآن الكريم والسّنة تُصدّق معناها كما بيّنا سابقاً، وهي تشبه مقولة ذكرها العلماء كثيراً، وهي: "الجزاء من جنس العمل".
المعاني التي تضمّنها الأثر
البر لا يَبلى
فالخير والإحسان إلى الآخرين لا يذهب أثرهُما، بل هُما كالكلام الطيب الذي يؤتي ثمارهُ في كُلّ حين، فالإنسان قد ينسى إحسانه ولكنّه محفوظٌ عند الله -تعالى-، ويبارك له فيه، ومكتوبٌ عنده في كتاب، لِقول الله -تعالى-: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، ومعنى لا يبلى؛ أي لا ينقطع ثوابه ولا يضيع، وقيل: إنّه لا ينقطعُ ذكره وثناؤه في الدُنيا والآخِرة، ويجازى عليه إما بالمثابة الحسنة، بسوء العاقبة.
الذنب لا يُنسى
وردت في الأثر بصيغة المجهول؛ للدّلالة على أنّ الجزاء عليه لا بُدّ منه وأنّ الله -تعالى- لا ينساه ، ولا بُدّ أن يُحاسب عليه صاحبه، ونسيان الذنب من العبد قد يكون سبباً لدفع النعم عنه، وجلب النقم إليه، قال الله -سبحانه وتعالى-: (لا يَضِلُّ رَبّي وَلا يَنسَى).
الدَّيّان لا يموت
يُعدُّ الدّيان اسمٌ من أسماء الله -تعالى-؛ وهو الذي يجازي العباد على أعمالهم، وهو الحَكَم القاضيّ، كما أنّه القهار، وقد دان الناس له بالطاعة، ومن معانيه أيضاً؛ أنّه يأخُذ للمظلوم حقه من الظالم، ويُجازي كُلّ إنسانٍ بِعمله، ويحكم بين عباده بالعدل من غير أن يظلمهم.
ومنه قول الله -تعالى- في الحديث القُدُسيّ: (يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ)، ومن معاني اسم الله الدّيان؛ أنّهُ باقٍ لا يموت، والله -تعالى- يحفظ لصاحب الحقّ حقّه من الضياع، ويُجازي الناس على أعمالهم.
كيف أفهم " كما تدين تدان" بعد التوبة؟
إن القاعدة التي اشتملتها هذه العبارة: هو أن الجزاء من جنس العمل، والدليل عليها من القرآن والسنة النبوية:
- من القرآن الكريم
يقول -سبحانه وتعالى-: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ).
- من السنة الشريفة
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ).
ولكن الوعيد والعقاب قد لا يقع ولا يحصل؛ لأن الله -سبحانه- عفو يحب العفو، ويصفح عمن ارتكب الذنوب والمعاصي، فلا يعجّل له الحساب إذا تاب من ذنبه واستقام حاله.