ما هو الوقف في الاسلام
معنى الوقف
يُطلق الوقف في اللغة على حبس الشيء، يُقال: وقف الأرض للمساكين؛ أي حبسها، وفي الاصطلاح الشرعي تعددت الأقوال في تعريف الوقف عند المذاهب، وقد عرّفه كل مذهب بحسب ما وضع للوقف من شروط وأركان، وبيان ذلك فيما يأتي:
- تعريف المذهب الحنفيّ
حبس العين وجعلها ملكاً لله، والتصدق بما فيها من المنفعة.
- تعريف المذهب المالكي
جعل منفعة مملوك ولو بأجرة، أو غلقه لمستحقّه مدة معينة يقررها المحبس.
- تعريف المذهب الشافعي
حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه تقرّباً لله تعالى، بقطع تصرفه به.
- تعريف المذهب الحنبلي
تحبيس الأصل وتسبيل الثّمرة.
أول وقف في الإسلام
يعدّ مسجد قباء الذي قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ببنائه أول وقف في الإسلام، ثمّ من بعده المسجد النبوي الشريف، وأول وقف خيري من المستغلّات عُرف في الإسلام هو وقف سبعة بساتين نخيل وقفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثم وقف عمر بن الخطاب، فعن عبد الله بن عمر: (أن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول قال: فحدثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثل مالًا). ثم استمرّ الوقف في شتى وجوه الخير منذ صدر الإسلام إلى زماننا الحالي.
حكم الوقف
يعدّ الوقف من الأعمال المستحبّة التي يمتدّ أثرها ونفعها إلى ما بعد الممات، وهو من أعظم الصدقات التي يتقرب به العبد إلى الله ، ومن أفضل أعمال البر والإحسان؛ لعموم فائدتها على الآخرين، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله قال: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)،
وتعددت الأقوال في حكمه عند المذاهب على النحو الآتي:
- مُباح: وهو قول الحنفية.
- مستحب: وهو قول عامّة أهل العلم.
والقول بالإباحة يختلف عن الاستحباب، فيكون مباحاً إن لم تكن نية صاحبه وقصده البرّ والتقرب من الله، أمّا إن كانت النّيّة والقصد منه القيام بعمل خير يتقرب به صاحبه من الله فهو مستحب.
- غير مشروع: وهو مذهب أهل الكوفة، وشريح، وقول نُسب إلى أبي حنيفة.
- لا يصحّ إلا في الكراع والسلاح: وهو قول علي بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهما، والكراع: اسم يجمع الخيل والسلاح.
شروط الوقف
يُشترط لصحة الوقف مجموعة شروط، وهي:
- تحديد العين الموقوفة، وأن تكون منفعتها مستدامة مع بقاء عينها.
- أن تكون هذه العين فيها برّ؛ كالمساجد، وكعمل وقف للفقراء.
- أن يكون الوقف على جهة معيّنة ومعلومة، وذلك بتسميتها.
- أن يكون دائماً غير محدد بمدة معيّنة، أو معلقاً على حدث معيّن، ويُستثنى من ذلك ما وقفه صاحبه حتى موته.
- أن يكون الواقف ممن يصح تصرّفه فيما وقفه.
ويصح الوقف بالقول والفعل، أما القول كقول الواقف: حبست أو وقفت أو سبّلت وغير ذلك من المعاني التي تفيد معنى الوقف، أما الفعل كأن يبني مسجدًا ويدعو الناس للصلاة فيه، أو أن يبني مشفى ويدعو الناس لعلاج مرضاهم فيه.
أنواع الوقف
للوقف أنواع متعددة تنقسم بحسب اعتبارات كثيرة، وينقسم الوقف باعتبار غرضه إلى ثلاثة أقسام على النحو الآتي:
- الوقف الذرّي أو الأهلي
هو ما يكون الواقف قد وقفه على ذريته من الأسرة، فإن لم يتبقَّ من الأسرة أحد صار وقفاً خيرياً.
- الوقف الخاص أو الخيري
هو ما يكون في أصله على جهة خيرية في أوجه البر والخير وتقديم المنفعة للغير.
- الوقف العام
هو ما يكون منذ بدايته قائمٌ على تقديم المنفعة العامة؛ ومنها المساجد والمشافي، والأراضي الخراجية التي لم توزّع على الفاتحين، وإنّما جُعلت ليستفيد منها الأجيال القادمة.
ويُقسم الوقف باعتبار المحلّ الموقوف إلى ثلاثة أقسام على النحو الآتي:
- وقف العقار
وقد اتفق العلماء القائلون بمشروعية الوقف على جواز وقف العقار، وأنّه مما يتقرب به العبد من الله، حيث نقل هذا الاتفاق القرطبي، وابن قدامة المقدسي، والنووي، وغيرهم عن الصحابة.
- الوقف المنقول
وينقسم إلى منقول لا يمكن الانتفاع به إلّا بتلف عينه؛ كالطعام، فقد نُقل عن الجمهور أنّه وقف غير جائز، وإلى منقول يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه؛ كالسلاح والحيوان والأجهزة وغيرها.
- وقف الدراهم والدنانير
ورجّع العديد من أهل العلم أنّه وقف جائز حتى لو لم تبقَ عينها إن كانت قد ذهبت لغاية شرعية.
أفضل أنواع الوقف
لا يقتصر الوقف على وقف شيءٍ معين، ولا تكون الأفضلية فيه لوقف شيء دون آخر، والأفضلية فيه تقوم على ما يكون فيه منفعة لعامة المسلمين في كل مكان وزمان، مثل الوقف على المساجد، وطلبة العلم، والمجاهدين في سبيل الله، والأقارب، والفقراء من المسلمين.
وإن كانت القرية بلا مدرسة فأفضل الوقف بناء المدارس، وإن كان الوقت قد نودي للجهاد فيه فأفضل الوقف السلاح وأدوات الحرب، وإن كانت المدينة لا يوجد بها مكان لعلاج المرضى فأفضل الوقف بناء المستشفيات، فتكون الأفضلية مرتبطة بحاجة الناس لذلك الوقف.
حكمة مشروعية الوقف
شرع الله لعباده الأغنياء إن أرادوا مزيدًا من القربات التي تقربهم من الله، ونيل المزيد من الأجر والثواب في الدنيا والآخرة؛ الإنفاق فى سبيل الله بطرق عدة منها الوقف، بصرف بعض ما يملكون في وجه الخير الذي ينتفع منه الآخرون، فتبقى عين الشيء وتدوم منفعته.
ولا تتوقف هذه المنفعة بموت صاحبها، بل تستمر إلى ما بعد موته، فقد يخاف صاحبها أن يتم تصريفها في غير وجه خير بعد موته، فالوقف يحفظها من أن تؤول إلى مثل هذا المصير.
وبالوقف تتحقق المنفعة للواقف بعظيم الأجر والثواب من الله، حين يقدم ماله في سبيل الله ابتغاء ما عند الله من الأجر والثواب، وينفع الناس ويساعدهم، لذا فإنّ الوقف من أروع وجوه التكافل فى المجتمع الإسلامي.