حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
متن حديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)
ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)، فهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وغيره من المحدّثين.
شرح حديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)
يحثّ هذا الحديث الشريف بني آدم على العمل والمسارعة في فعل الخيرات والقربات، فالموت قد يُفاجئ العبد في أيّ لحظة فينقطع عنه عمله، ولكنّه يُبيّن بعض الأعمال والأسباب التي ينتفع بها العبد بعد موته، وفيما يأتي تفصيل هذه الأعمال مع شرح هذا الحديث:
إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة
الإنسان أو ابن آدم هو لفظ عام يشمل الذكر والأنثى، ومعنى انقطع عمل الإنسان بموته؛ أي انقطاع الأجر والثواب الذي سيجنيه الإنسان من أعماله الصالحة ، فبالموت ينقطع عن العمل، فلا يتمكّن من فعل شيءٍ يكسب منه أجراً.
لكن استثنى الحديث ثلاثة أمور؛ أي إنّ الأجر والثواب ينقطع بعد الموت باستثناء ثلاثة أشياء، وذلك أنّ فائدة هذه الأشياء أو الأعمال ستبقى بعد الموت، وسيصل الميت ثوابها وهو في قبره، وفي هذا دليلٌ على أنّ الله -تعالى- يُثيب العباد ويكتب لهم أجر ما اكتسبوه سواءً فعلوه بأنفسهم أم تسبّبوا بوجوده.
صدقة جارية
الصدقة الجارية هي الصدقة التي يجري نفعها ويدوم، وبهذا يصل أجرها إلى العبد وينفعه بعد موته، وقد فسّر بعض العلماء الصدقة الجارية بالوقف، ولكن يمكن إطلاق الصدقة الجارية على كلّ ما يستمر وتدوم فائدته، وهذا بابٌ كبيرٌ؛ ومنه بناء المساجد والمشاركة فيها، فأجر ذلك يدوم ما دام المسجد باقياً والناس يصلّون فيه ويعمرونه بذكر الله وقراءة القرآن الكريم.
ومن أمثلة الصدقة الجارية أيضاً سبيل الماء الذي يشرب منه الناس، أو شقّ الجداول والقنوات التي تنفع العباد، وغرس الأشجار وتركها للناس يستظلون بها ويأكلون من ثمارها، وغير ذلك من الأشياء التي يمكن ألّا تكلّف كثيراً من العناء ولكنّها ستكون سبباً في الكثير من الحسنات للعبد في حياته وبعد مماته.
علم ينتفع به
إنّ العلم الذي يُفيد العبد بعد موته هو العلم النافع ، أمّا العلم الذي لا يجني منه الناس نفعاً فلن يكون له أجر، ولهذا فقد قيّد بعض أهل العلماء العلم النافع في هذا السياق بالعلم بالكتاب والسنّة وكلّ ما يتصل بهما من العلوم، والعلم يشمل التعليم والتأليف والنّسخ وكل ما هو متصّل بإيصال المعلومة الصحيحة للآخرين، ويمكن إطلاق العلم الذي يُنتفع به على كلّ علمٍ يُفيد الناس في دينهم ودنياهم، وتكون النيّة فيه هي نفع العباد وتحصيل الأجر والثواب من خالقهم الكريم.
ولد صالح يدعو له
فسّر العلماء الولد الصالح في هذا الموضع بالولد المؤمن، وفي هذا الحديث حثّ للأبناء على الدعاء لوالديهم في حياتهم وبعد مماتهم، وحثٌّ للآباء على مزيد العناية بأبنائهم حتّى يكونوا أبناءً صالحين، ولفظ الولد يشمل الذكور والإناث.
وقيل إنّ عمل الولد الصالح يعود بالنفع على الأهل سواء دعا لهم أبناءهم أم لا؛ لأنّ الوالدين هم الذين كانوا سبباً في وجود الأبناء الصالحين، كما أنّ تقييد الثواب بدعاء الولد الصالح لا ينفي انتفاع الميّت بدعاء الناس له من غير أولاده، ولكن في هذا التقييد تشجيعٌ وتحريضٌ للأبناء على الحرص والإكثار من الدعاء لآبائهم وأمهاتهم كما تقدّم.