حادثة الإفك للسيدة عائشة
قصة حادثة الإفك للسيدة عائشة
حدث مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوجته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بلاء عظيم، وهو ما يسمى بحادثة الإفك؛ حيث افترى جماعة من المنافقين على أم المؤمنين، فنجّاها الله -تعالى- من شرّهم؛ بتبرئتها بصريح القرآن بقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
خروج عائشة مع النبي في غزوة بني المصطلق
كان من عادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الخروج في سفر من الأسفار أن يُقرع بين نسائه؛ من أجل أن تصاحبه في ذلك السفر؛ وذلك تطييبا لقلوبهنّ، فلما كانت غزوة بني المصطلق، خرجت القرعة من نصيب عائشة -رضي الله عنها-، فاصطحبها معه في السفر، وسافرت معه في غزوة بني المصطلق، وسمّيت بغزوة المريسيع، عن عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَاب).
تأخر عائشة عن الجيش ومساعدة صفوان بن المعطل لها
ذهبت عائشة -رضي الله عنها- مع الجيش، وفي أثناء العودة عسكروا في طريق ما من أجل أن يرتاحوا من العناء، فلما أرادوا الرحيل وأبلغوا الجيش بقرب المسير، مضت السيدة عائشة لتقضي حاجتها، وبعدت عن عيون الناس، وبينما هي في ذلك المكان فَقَدَتْ عقدها، فتأخّرت في البحث عنه فلم تجده، فلما رجعت إلى موضع الجيش وجدتهم قد ساروا وتركوها.
وسبب تركهم لها؛ أنهم ظنوها في الهودج، فحمل الرجال الهودج، ولم يشعروا بعدم وجودها؛ بسبب نحول جسمها من قلة الطعام، فحمل الرجال الهودج ولم يشعروا بها، وجلست -رضي الله عنها- ترتقب رجوع الجيش إليها، ولم تبرح المكان، ثم غلبتها عينها، فنامت في ذلك المكان.
واستغرقت أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- في نومها، ولم يوقظها إلا صوت الصحابي الجليل صفوان بن المعطِّل -رضي الله عنه- وهو يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وكان صفوان كثير النوم، حيث تأخّر عن الجيش؛ لاستغراقه في النوم، فلما رآها صفوان عرفها؛ لأنه كان يراها قبل وجوب الحجاب، فاستيقظت من نومتها، فأناخ لها الجمل، وركبت وسار بها، حتى بلغا المدينة، ولم تكلّمه، ولم يكلّمها كلمة واحدة، حتى رجعا إلى المدينة.
انتشار الكلام عن عائشة وفتنة المنافقين في حادثة الإفك
استغل المنافقون هذه الحادثة، ووجدوها فرصة ينبغي استغلالها؛ من أجل النيل من عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتكلموا بأمّ المؤمنين وبصفوان، فنالوا من عرض رسول الله، والذي تولى نشر هذه القصة زعيم المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سَلول، وتلقّف المنافقون الخبر، وبثّوه بين الناس، حتى شاع وذاع.
موقف الرسول الكريم من حادثة الإفك
بقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهراً والوحي لا يخبره شيئاً عن صدق أو كذب هذه الحادثة، فاستشار رسول الله الناس، ولا سيما أقرب الناس منه، والذين هم بمقام أهله، فاستشار علي الذي ربي في بيته، واستشار أسامة بن زيد الذي كان ابناً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأثنى الناس على عائشة خيراً، وأشار عليه علي بن أبي طالب أن يسأل الجارية؛ واسمها بريرة، فأثنت خيراً.
وتوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عائشة، وطلب منها أن تصدقه الحديث، وقال لها: (فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)، فأجابته ببراءتها، وقالت: (وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ: فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ)، فتيقّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من براءتها.
نزول براءة السيدة عائشة بآيات قرآنية
بعد استقصاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن براءة عائشة، وثناء الناس عليها، وإثباتهم براءتها، نزل القرآن العظيم من ربّ العالمين يثني عليها، ويثبت براءتها، ويثبت عفتها وطهارتها، ويفضح الخائنين المتكلمين في عرضها.
تقول أم المؤمنين عائشة: (وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ ... فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا، أَنْ قَالَ لِي: «يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ).
فنزل قول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)
الدروس المستفادة من حادثة الإفك للسيدة عائشة
الدروس المستفادة من هذه المحنة العظيمة كثيرة، أوصلها بعض العلماء إلى أكثر من خمسين فائدة، ولكن نذكر هنا أهمّ الدروس وهي:
- امتحان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان تصرّفه حكيماً دون تسرّع ولا حمية جاهلية.
- امتحان صبر عائشة واستعانتها بالله الله -تعالى-.
- امتحان الصحابة والأمة من بعدهم إلى يوم الدين، ويظهر الذين يوقرون أم المؤمنين، فيظهر الخبيث من الطيب.
- كانت هذه الحادثة سبباً في الكشف عن المنافقين.