جميل بثينة: الغزل العذري
الغزل العذري عند جميل بثينة
الغزل العذري هو غزل عفيف يُعبّرفيه الشاعر عن عواطفه المتعففة والملتهبة، بالإضافة إلى تغزله بمحبوبته، فيقترن اسمه باسمها كجميل بثينة وغيره من الشعراء العذريين، وفي هذا الشعر يحب الشاعر محبوبته لذاتها وليس لجمالها، ومن خصائص هذا الفن الشعري كما جاء في شعر جميل بثينة ما يأتي:
- الوحدة الموضوعية.
- البداوة والسذاجة.
- العفة والسمو في أشعارهم.
- وليد اليأس والفقر.
مختارات شعرية لجميل بثينة
هذه بعض المختارات الشعرية التي وردت عن جميل بثينة، منها الآتي:
- قال جميل بثينة:
ألا قد أرى، إلا بثينة، للقلب،
- بوادي بدي، لا بجسمي ولا شعبِ
ولا ببراقٍ قد تيممت، فاعترف
- لما أنتَ لاقٍ، أو تنكب عن الركبِ
أفي كل يومٍ أنتَ محدثُ صبوةٍ
- تموت لها، بُدلت غيرك من قلبِ
- قال جميل بثينة :
ارحميني، فقد بليتُ، فحسبي
- بعض ذا الداءِ، يا بثينة، حسبي!
لامني فيك، ييا بثينة، صحبي،
- لا تلوموا، قد أقرح الحبُّ قلبي!
زعم الناسُ أن دائي طبي،
- أنتِ، والله، يا بثينة، طبي!
- قال جميل بثينة:
يا عاذلي من الملام دعاني
- إن البلية فوق ما تصفان
زعمت بثينة أن فرقتنا غدًا،
- لا مرحبًا بغدٍ، فقد أبكاني
- قال جميل بثينة:
بثينة من صنفٍ يقلبن أيدي ال
- رُّماة، وما يحملن قوسًا ولا نبلا
ولكنما يظفرن بالصيد، كلما
- جلون الثنايا الغُرَّ، والأعين النجلا
يخالسن ميعادًا، يرعن لقولها،
- إذا نطقت، كانت مقالتها فصلا
يرين قريبًا، وهي لا ترى،
- سوى بيتها، بيتًا قريبًا، ولا سهلا
قصة جميل وبثينة
بدأت قصة جميل مع صاحبته بثينة عندما رآها في (وادي بغيض)، فكانت قد جاءت لِتَرد الماء مع جارة لها، فقامت بنفر إبل جميل عن مورده، حتى لاحظ جميل ذلك، فشتمها وردت شتيمته وكان هذا أول تعارف بينهما، ومن هنا بدأت قصة حبه لبثينة فهو قد أعجب ببداوتها، واستملح سبابها وأحبها.
فيقول في شعره:
وأول ما قاد المودة بيننا
- بوادي بغيض، يا بثين، سباب
فقلنا بها قولًا، فجاءت بمثله،
- لكل كلام يا بثين، جوابُ
يرجع نسب جميل بثينة إلى قبيلة عذرة المعروفة بكثرة قصص العشاق العذريين، حيث كانت هذه القبيلة تعيش في العصر الأموي ، وكان جميل قد تقدم لخطبة بثينة من وليّها لكنّه رفض، وذلك لاعتقادهم في ذلك العصر بأنّه إذا وافق والدها على زواجها من صاحبها فسيكون من أجل ستر عار ابنته، فيقومون بعد ذلك بتزويجها لأول خاطب لها.
هذا ما حصل مع بثينة، فقد زوّجها والدها لشخص يدعى نبيه بن الأسود، وهذا الزواج لم يمنع جميل من التواصل والتقرب إلى بثينة، فقد زادهُ ذلك الأمر ولهًا وعشقًا لها، حتى أنّه بقي يلتقي بها خفية رغم زواجها في بيت زوجها.
ليس هذا فحسب فقد تعلّق جميل ببثينة حتى وقف شعرهُ عليها، فأخذ يصفها ويتغزل بها، فاشتهر شعره بين الناس وعرفت قصتهما، وقد حاولت نساء القبيلة إبعاد جميل عن بثينة، فقُمن باتهامها أمامه بالكذب والغدر، وأقنعنه بأنّ غيرها أولى بالوصل، فيبقي ذلك جميل في عذابه ويذهب ليعاتب بثينة، لكن هذا لا يؤثر على الحبيبين فيرجعان للتصافي، وصرْف النظر عمّا حدث.
نعي جميل بثينة لنفسه
قيل بأنه عندما حانت لحظة وفاة جميل، وهو في مصر ، دعا رجلًا، وقال له: هل أعطيك كل ما أملكه على أن تفعل شيئًا أطلبه منك وأعهد له إليك، فوافق الرجل، فقال له جميل: بأنه إذا مات يأخذ حليه ويعزلها عن باقي ما ملك، فيذهب إلى قوم بثينة بناقته، وأن يلبس حليه إذا وصل وأن يصيح بأبيات من الشعر كان قد نقلها عن جميل، فأتى الرجل وأنشد الأبيات:
صدعَ النّعي، وما كنى بجميل
وثوى بمصر ثواء غير قفولِ
ولقد أجرُّ الذيل في وادي القرى
نشوان، بين مزارعٍ ونخيلِ
بكرَ النعيُّ بفارسٍ ذي همةٍ،
بطلٍ، إذا حُمّ اللقاءُ، مُذيلِ
قومي، بثينة، فاندبي بعويلِ
وابكي خليلكِ دون كل خليلِ!