تكريم الإنسان
تكريم الله تعالى للإنسان
بَيَّنَّ الإمام ابن كثير مفهوم التكريم فقال: "تكريم الله للإنسان يتجلى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها، وفي أن جعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها، ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية"، فإن الله -سبحانه وتعالى- خلق كل شيء بقدر، وأحسن كل شيء خلقه، ومن ذلك الإنسان الذي كرّمه الله -تعالى- لمركزه بين الخلق، ولمسؤوليته في الحياة، وقد ذكر الله -تعالى- هذا التكريم الإلهي للإنسان وتفضيله على كثير من الخلق في آيات عدّة، منها قوله تعالى: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا).
مظاهر تكريم الله لآدم
ذكر الله -سبحانه وتعالى- مظاهر تكريمه لنبيّه آدم -عليه السلام- في القرآن الكريم، ومن مظاهر تكريم الله لآدم -عليه السلام- ما يأتي:
- خلق الله -تعالى- نبيه آدم -عليه السلام- بيده، وهذا دليل على خصوصية هذا المخلوق وأهميته.
- تسوية الله -تعالى- لفطرة نبيه آدم عليه السلام، وهذه التسوية تعني خلقه في أحسن تقويم، وهذا من باب التكريم له.
- نَفَخَ الله -تعالى- من روحه لخلق نبيه آدم عليه السلام، ودليل ذلك قوله تعالى في سياق خلق آدم: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي).
- أسْجَدَ الله -سبحانه- الملائكة سجود تكريم لنبيه آدم عليه السلام، ولا يخفى ما في سجود هذه المخلوقات الطاهرة له من إشارة بأنهم جنود سيخدمون الكون يعدّ كذلك خادماً للإنسان ليتمكن من عبادة الله تعالى.
- أهَّلَ الله -سبحانه- نبيه آدم -عليه السلام- لتلقّي العلم الضروري؛ وذلك لقيامه بمهمة الاستخلاف التي خُلِق من أجلها، فأكرمه بالعقل والقلب والفؤاد؛ ليتمَّكن من تلقّي هذه المعلومات.
- منح الله -تعالى- نبيه آدم -عليه السلام- الحرية والاختيار الضروريّان ليتمكن من قيامه بمسؤولياته، فجعل له العقل الذي يميّز به بين الأمر الصالح والأمر الفاسد، ويميّز بين الطيبات والخبائث، وبذلك يفرق عن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويتميز عن الشياطين المصدودون عن عبادته سبحانه .
- عَلَّمَ الله -تعالى- نبيه آدم -عليه السلام- طريقة إصلاح الخطأ، وذلك يكون بالاستغفار والتوبة التي تعيد المخطئ إلى ربه مكرّماً، فالحسنات يذهبن السيئات.
- استخلف الله -تعالى- نبيه آدم -عليه السلام- في الأرض ليقوم بمهمة عمارتها.
مظاهر تكريم الله لبني آدم
إن تكريم الله -تعالى- لآدم هو تكريم لبني آدم، إذ إن الله قال: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ)، وذلك إشعار بأنهم أبناء المخلوق الأوّل صاحب موقع النبوّة والرسالة، وموقع السيد بين كائنات متعددة خُلِقَت لأجله، وهو خُلِق من أجل العبادة ، وتوضيح هذا التكريم مهم في زمن أَرْجَعَ فيه البعض أصل الإنسان إلى القرود، التي هي من المخلوقات التي خُلقت لخدمته، وفيما يأتي بيان بعض مظاهر هذا التكريم لبني آدم:
- خلق الله مخلوقات الأرض جميعها لخدمة بني آدم، ودليل ذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا).
- تسخير كل ما في الكون لخدمة بني آدم، وقد ذُكِرَ في القرآن الكريم العديد من أشكال التسخير؛ كتسخير الشمس والقمر، والليل والنهار، والحيوانات والنباتات، وهذا التسخير نعمة من الله تعالى، وعلى الإنسان أن يشكرها ويسخّرها للقيام بالمهمة التي خُلِقَ من أجلها؛ ألا وهي عبادة الله، والاستخلاف في الأرض.
- نزول الهدى من الله -تعالى- لبني آدم، فنزول الهدى الربّاني والمنهج القرآني من شأنه أن يحافظ على التكريم الإنساني الأول، وعلى الفطرة السليمة التي خُلِقَ عليها.
ويبدو أن من حكمة الله -تعالى- في تكريم بني آدم أنهم هم الذين قبلوا بالقيام بحمل الأمانة ، بعد أن عرضها الله -سبحانه وتعالى- على السموات والأرض والجبال، فأَبَينَّ أن يحملنها وأشفقن منها، فأكرمه الله -تعالى- وفضَّله على كثير من المخلوقات ليتمكّن من القيام بهذه المهمة التي تعدّ تكليفاً وامتثالاً لأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه، فكان من مقتضى حمل بني آدم للأمانة أن جعل الله فيهم صفوة خلقه من الأنبياء والصادقين والشهداء، ليتمكّنوا من القيام بأمر الله والدعوة إليه.
تكريم الإنسان لنفسه
ينبغي على الإنسان أن يحرص على أن يعيش كريماً، لأن الله قد رضي له الإكرام، ولم يرض له المهانة، ويتحقّق حفظ الإنسان لكرامته من خلال القيام بالأمور الآتية:
- أن يكرم الإنسان عقله، وذلك من خلال تنميته بالعلم والمعرفة، والتأمل والتدبر، والابتعاد عن الخرافات والأوهام.
- أن يكرم الإنسان قلبه بالإيمان والتوكّل على الله -تعالى- ومحبته، وأن يُنَقِّيه من أمراض القلوب ؛ كالحسد والحقد، والغل، والكراهية، وغيرها.
- أن يكرم الإنسان روحه بذكر الله تعالى، وأن يسمو بنفسه عن الغفلات والدناءات، ويتحلى بمكارم الأخلاق .
- أن يكرم الإنسان جوارحه بعمل الطاعات، والابتعاد عن المعاصي والشهوات، وأن يتخيّر أفضل الأفعال والأقوال.
- أن يكرم الإنسان نفسه بالترفع عن سؤال الناس، وعليه أن يوقن أن الذي يرزق السمك في الماء والطير في الهواء لن ينساه.
تكريم الإسلام للآخرين
كرّم الإسلام النفس الإنسانية بصفة عامة، ولم يجعل هناك استثناءاتٍ بسبب اللون أو الجنس أو الدين، فهو تكريمٌ عامٌ وشاملٌ، حتى إنه يشمل المسلمين وغير المسلمين، وقد انعكست هذه الرؤية الإسلامية الشاملة لجميع البشر، وهذا التكريم لكل الناس على كل فرع من فروع الشريعة، وهذا من شأنه أن يُفسر الأسلوب الفريد والراقي الذي تعامل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- به مع المنكرين والمخالفين له، وفيما يأتي بعض مظاهر هذا التكريم للآخرين:
- العدل والمساواة بين المسلمين وغيرهم في التعامل: فنجد أن الإسلام حرَّم الظلم والإهانة والتعدّي على حقوق الآخرين، والتقليل من شأنهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ونهى عن قتل النفس البشرية بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن قتَلَ مُعاهَدًا في غَيرِ كُنْهِهِ، حرَّمَ اللهُ عليهِ الجنَّةَ، قال أبو عَبدِ الرَّحمنِ: كُنهُهُ: حَقٌّ)، وبذلك نجد أن الإسلام ينظر لكل البشر بنظرة احترامٍ وتقديرٍ.
- احترام النفس البشرية لمجرّد أنها نفس: وقد ضرب النبي في حياته أروع الأمثلة لذلك، منها ما رواه جابر -رضي الله عنه- فقال: (قَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ حتَّى تَوَارَتْ)، ولا يخفى أن هذا الموقف من شأنه أن يُرَسِّخ عند الصحابة والمسلمين من بعدهم أن الإسلام يحترم كل نفس بشرية ويكرمها ويقدرّها، ومن الأمثلة على ذلك ما فعله قيس بن سعد، وسهل بن حنيف من الوقوف لجنازة رجلٍ مجوسي يعبد النار.
- قبول الإسلام للاختلاف بكل أشكاله: فالمسلم مأمور بقبول الاختلاف في العقيدة، وبعدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام، بل وعنده تشريعاتٍ خاصة للتعامل مع الطوائف غير المسلمة، وفي ذلك تكريم لحرية الإنسان في اختيار دينه؛ لأن الله -تعالى- هو الذي يحاسب الناس وليس الإنسان.