تفسير سورة النصر
التعريف بسورة النصر
سورة النصر سورةٌ مدنيةٌ ، عدد آياتها ثلاث، نزلت بعد رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- من غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة، ومن أسمائها سورة "إذا جاء نصر الله"، روى البخاري أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (لما نزلت سورة إذا جاء نصر الله والفتح)، وسماها بعض المفسرين سورة "التوديع" ؛ كما ذكره ابن مسعود لأنها أشعرت بقُرب أجلِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وسماها البعض سورة الفتح.
تفسير سورة النصر
الوعيد بفتح مكة وانهيار عبادة الأصنام
قال -تعالى-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، أجمع كثير من المفسرين، على أن المقصود في الفتح المذكور في السورة هو فتح مكة المكرمة ؛ التي كانت تحت حكم قريش، وكانت الأصنام تملأ الحرم.
وخص فتح مكة بالذكر في القرآن؛ لأن قريش كانت راعية الكفر في جزيرة العرب، وبفتح مكة تسقط عروش الكفر، وعبر القرآن الكريم عن الفتح بصيغة الماضي، مع أنه لم يكن قد تحقق بعد، والأصل أن يعبر عنه بالفعل المضارع؛ وذلك تأكيداً على تحقق وقوع وعد الله بالنصر.
وذكر النصر والفتح ليس مترادفاً في المعنى؛ إذ إن النصر هو مقدمة للفتح، والنصر هو الغلبة على الأعداء، والفتح هو نتيجة لذلك، وقد نسب الله -سبحانه وتعالى- النصر إلى نفسه الشريفة تعظيماً لهذا النصر، فإن كانت الإعانة للمسلم على العدو من الله -تعالى-، فقد ضل من حارب الدين وخسر.
التبشير بإقبال العرب على الإسلام
قال -تعالى-: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)، لقد بشر الله -بعد وعده بالنصر على قريش وفتح مكة- بأن الناس سيأتون إلى رسول الله معلنين إيمانهم بالله -تعالى-، نابذين للشرك والكفر.
وذلك بعد أكثر من عشرين عاماً من بذل النبي للدعوة وجهاده وتضحيته، وقد حصل ذلك فعلاً بعد سنتين؛ إذ جاءت قبائل العرب بعد فتح مكة مقبلين إلى الإسلام أفواجاً، والفوج هو: الجماعة والطائفة من الناس.
وقد تتابعت وكثرت الوفود على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة، وكانت بشارة عظيمة للمسلمين، كما كانت الوفود دلالة على اقتطاف الثمرة، وجزاءً لتضحيات الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد أصبح الإسلام بعد ذلك مسموعاً في كل مكان.
من تمام النعمة ذكر الله
قال -تعالى-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، تخاطب هذه الآية النبي فتقول: بعد أن ترى يا محمد دخول العرب في دين الله جماعات جماعات، وقد حصل ذلك في العام التاسع الهجري بعد فتح مكة، حتى سُمي ذلك العام "عام الوفود"، فيأمره -سبحانه وتعالى- أن يسبحه إيذاناً بانتهاء مهمة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واقتراب أجله.
وأمره أن يكون التسبيح مقروناً بالحمد، فالتسبيح تنزيه الله -تعالى-، والحمد هو الثناء عليه بالكمال مع المحبة والتعظيم، ثم أمره بطلب الاستغفار من الله -تعالى-، فإنه -سبحانه- كان وما زال تواباً على عباده، يقبل توبتهم ويستر نقصهم، والمغفرة هي ستر الله على الذنوب مع محوها له.