تفسير سورة النجم من الآية 19 إلى 25
في رحاب تفسير الآيات (19-23) من سورة النجم
التفسير الإجمالي للآيات وتوضيح معاني أبرز المفردات والتراكيب الواردة فيها كما يأتي:
- التفسير الإجمالي
الآيات تُخاطب الكفار بقولها: أخبروني عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله هل خلقت أي شيء؟ هل أمرت أو نهت؟ وهنالك أمر آخر: كيف تجعلون الملائكة إناثاً ثم تقولون هي بنات الله رغم أنكم تكرهون الإناث؟
وتلك هي القسمة الجائرة، كما أنَّ ما تزعمونها آلهة، وما تدَّعون أنهن بنات لله -تعالى- ما هي إلا أسماء محضة، لا تدل على مسمياتها: فليس في أصنامكم أي دليل على الألوهية، وليس في الملائكة أي دليل على أنهم بنات الله.
- الأصنام الثلاثة الأشهر عند العرب
- اللات: عبارة عن صخرة عظيمة مربعة تسمى "بيت الرَّبَّة"، لها حرم حولها تُلقى عليها كسوة سنوياً في الطائف.
- العزى: شجيرات من نوع "السمُر" قريبة من تهامة، لها حِمىً، وكانت قريش تتعبد للعزى، وتزورها وتهدي إليها، وتتقرب إليها بالذبائح.
- مناة: وكانت صنماً قريباً من ساحل البحر بين مكة والمدينة، وشكلها يشبه البيت، يلقي المؤمنين بها فيه هداياهم.
- هل تفيد آية: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى)،الانتقاص من الإناث؟
الجواب: الذي ينتقص هم الكفار، وهذا الحديث مع كفار قريش لمحاججتهم بأسلحتهم وبحججهم -ولو كانت مغلوطة-، فكيف جعلتم لله -تعالى- بنات تزعمونهن ناقصات ولذلك تئدونهنَّ؟
إنّ الله كامل العظمة فكيف جعلتموه يختار الناقص، ونسبتم إلى أنفسكم اختيار الكامل؟ فنسبتكم البنات إلى الله -تعالى- قسمة جائزة على طريقتكم، فلو كنتم تعظمون الله حقاً لجعلتم الأعظم -بنظركم- للعظيم.
في رحاب تفسير الآيتين (24-25) من سورة النجم
مِن أبرز ما تفيده الآيتان الكريمتان ما سيأتي:
- (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى).
سؤال استنكاري: أتتوقعون أن يحصل الإنسان على كل ما تَمَنَّى واشتهى؟ والمقصود هنا هم الكفار الذين زعموا بأنَّ الأصنام تشفع لهم عند الله، يعني: أتظنون أنّ لهم ما يتمنون من شفاعة الأصنام؟ ليس كما ظنوا أو تمنوا، بل لله الآخرة والدنيا، يعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء، لا ما تمنّى الإنسان واشتهى.
- (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى).
تعليل لسبب انتفاء أن يكون للإنسان ما تمنى، فإن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله -عز وجل-، فليس لهم معه -سبحانه وتعالى- أمر من الأمور، ومن جملة ذلك أمنياتهم الباطلة، وأطماعهم الفارغة بأنَّ لهم ما يتمنونه من شفاعة الآلهة يوم القيامة .
كلا فإنَّ هذا لن يكون؛ فكل ما في الدنيا والآخرة هو ملك له سبحانه وتعالى، ولا دخل لهذه الأصنام في شيء منه، وهذا تيئيس لهم من أن ينالوا خيراً من عبادتها، ولا تكون وسيلة لهم عند ربهم.
نقد قصة الغرانيق المرتبطة بهذه الآيات في بعض التفاسير
الغرنوق: طائر أبيض من الطيور التي تعيش قرب الماء،قيل: حين قرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)، جرى على لسانه: "تلك الغرانيق العلى، وإنَّ شفاعتهن لترتجى"، ثم نبهه جبريل على ذلك فرجع، وأخبرهم أنَّ ذلك كان مِن جهة الشيطان وليس وحياً،وتلك القصة باطلة من وجوه، أبرزها:
- مخالفة القطعي
كقوله -تعالى-: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ* وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ* هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ).
وقوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)،بل أثبت في سورة النجم ذاتها أن شفاعة الملائكة -وهي أفضل من أصنامهم- لا تُرتجى، فقال: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ).
- لم يثبت ذلك بأي حديث صحيح مرفوع
وروايات الغرانيق متناقضة فيما بينها ولا يسلم أي منها من مطعن في السند والمتن، وسئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال: "هذا وضع من الزنادقة"، وصنف فيه كتاباً، وبيَّن البيهقي أنَّ هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، وقال القاضي عياض: "إنه من وضع الزنادقة".
- الخلاصة
إنّ قصة الغرانيق مِن أضعف ما رواه بعض المفسرين في تفاسيرهم؛ فجميع أسانيدها ضعيفة أو منقطعة، فلم تتصل أسانيدها إلى الصحابة بأي سند صحيح، وهي في جُملتها موقوفة على جماعة من التابعين الذين لم يشهدوا القصة، ولم يرووها عمَّن حضرها من الصحابة، فهي موقوفة على بعض التابعين كابن جبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي العالية، والموقوف منقطعٌ ضعيفٌ؛ لأنه غير متصل السند.