تفسير سورة المطففين للأطفال
التهديد والوعيد للمطففين
بدأت سورة المطففين بالتهديد والوعيد للمطففين، قال -تعالى-: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
إنّ معنى "ويلٌ للمطففين"؛ أي هلاك وحسرة للمطففين؛ وهم الذين يغشّون بالوزن عندما يبيعون للناس شيئًا فيقومون بإنقاصه، ولكنّهم إذا اكتالوا على الناس أي إذا اشتروا منهم شيئًا ممّا يُباع بالكيل والوزن يستوفون حقّهم كامل، وإذا هم كالوا؛ أي إنّهم هم الذين قاموا بالبيع بالكيل فإنّهم يُنقصون ويخسرون ويقلّلون من البضاعة المشتراة.
ومعنى قوله -تعالى-: "ألا يظنّ أولئك أنّهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لربّ العالمين"؛ أي ألا يؤمن هؤلاء المطففين بأنّهم سيُبعثون في الآخرة وسيُحاسب كل إنسان على عمله في ذلك اليوم العظيم؛ وهو يوم القيامة، حيث يقف العباد للعرض على خالقهم ويطول بهم الوقوف قبل أن يبدأ الحساب إجلالًا لله -تعالى-.
تكذيب الكفار بيوم القيامة
انتقلت الآيات للحديث عن تكذيب الكفّار بيوم القيامة، قال -تعالى-: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
إنّ معنى كتاب الفجّار؛ أي الكتاب الذي فيه أعمالهم، وقد تعدّدت أقوال المفسّرين في معنى سجّين؛ فقيل هي الأرض السابعة، وقيل خسارة، وقيل حبس وسجن، ومعنى كتاب مرقوم أي مكتوب.
ثمّ يتوعّد الله سبحانه المكذّبين بيوم الدين وهم الذين يقولون إنّه ليس هناك يوم قيامة، وما يكذّب بهذا اليوم إلّا إنسان معتدٍ أثيم؛ أي متجاوز لحدوده ومبالغ في الإثم، وإذا تتلى عليه آيات القرآن الكريم يقول إنّ هذا أساطير الأولين، والأساطير جميع أسطورة وهي الحكايات التي كُتبت قديمًا وتداولها الناس.
حال الكفار ومصيرهم يوم الحساب
بعد الحديث عن تكذيب الكفّار بيوم القيامة يُبيّن الله -تعالى- حالهم في ذلك اليوم، قال -تعالى-: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}.
إنّ معنى "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"؛ أي إنّ الذنوب التي قاموا بها غطّت على قلوبهم ومعاصيهم وحجبتهم عن إبصار الحق، فجازاهم الله -تعالى- في الآخرة بحجبهم عنه وعدم تمكنّهم من رؤيته بالآخرة.
بخلاف المؤمنين الذين سيرون ربّهم في الآخرة وسيتلذّذون بهذه الرؤية، ومعنى "ثمّ إنهم لصالوا الجحيم"؛ أي إنّهم سيدخلون في الجحيم ويُعذّبون بها وهي نار جهنّم، ومعنى قوله "ثمّ يُقال هذا الذي كنتم به تكذّبون" أي إنّهم سيُوبخّون ويُلقى عليهم اللوم لما اقترفوه في الدنيا وكان سببًا بعذابهم في الآخرة.
ذكر حال الأبرار يوم القيامة
بالمقابلة مع حال الكفّار تذكر الآيات التالية حال الأبرار وأهل الإيمان يوم القيامة، قال -تعالى-: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ* إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ* خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}.
بخلاف كتاب الفجّار فإنّ كتاب الأبرار أهل الإيمان والتقوى سيكون في عليين، ومعنى عليين السماء السابعة، وقيل المقصود به الجنة، وكتابهم يشهده الملائكة، وهم في نعيم مقيم وجنّات مليئة بألوان السعادة، ويجلسون على الأرائك الفاخرة وينظرون إلى ما حولهم من النعيم وإلى الفضل الذي أحاطهم الله -تعالى- به.
وتظهر السعادة والراحة على وجوههم، ويشربون من رحيق مختوم وهو خمر الجنّة، وهو ممزوج بالمسك ومطيّب به، فيختم أهل الجنة شرب الرحيق بشربهم لذلك المسك، ولهذه السعادة فليعمل العباد في الدنيا كي ينالوها في الآخرة.
ومعنى "مزاجه من تسنيم"؛ أي إنّ الرحيق المختوم ممزوج أيضًا بشراب اسمه تسنيم وهو أفضل شراب أهل الجنة، "عينًا يشرب بها المقرّبون"؛ فالمقرّبون سيشربون من هذا الشراب وحده وفي هذا زيادة تكريم لهم، أمّا الأبرار فسيكون ممزوجًا لهم مع شراب آخر.
تبدل حال المؤمنين والكفار في الآخرة
خُتمت سورة المطففين ببيان كيفية انقلاب الحال في الآخرة وتبدّل حال المؤمنين والكافرين، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ* وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ* وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ* وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ* فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ* هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
تُبيّن هذه الآيات كيف سيكون حال الكفّار والمؤمنين في الآخرة، فالكفّار كانوا يضحكون من المؤمنين في الدنيا ويسخرون منهم ويستهزئون بهم، وإذا فعلوا ذلك عادوا إلى أهلهم مسرورين ومبتهجين، وإذا رأوا المؤمنين قالوا إنّ هؤلاء ضالون أي منحرفين عن طريق الحق والصواب.
"وما أرسلوا عليهم حافظين"؛ أي إنّ الله -تعالى- لم يرسلهم ليكونوا شاهدين على أعمال المؤمنين وحافظين لها، وفي الآخرة سيضحك المؤمنين من الكافرين، وسيُسألون وهم جالسين على أسرّتهم وأرائكهم هل حصل الكفّار على جزائهم وعقابهم.