تفسير سورة المسد للطبري
اسم السورة في تفسير الطبري
ذكر الطبري أن اسم السورة: تبت، وكذا اسمها في بعض التفاسير مثل تفسير ابن كثيروتفسير الواحدي،وفي بعض كتب الحديث كسنن الترمذي وسنن سعيد بن منصور،واسمها في صحيح البخاري: "سورة تبت يدا أبي لهب" والمسد.
شرح سورة المسد في تفسير الطبري
اعتنى الطبري بشرح أبرز معاني المفردات والتراكيب في السورة، ونقل أقوال السلف عن المقصود بمعانيها، وبيان شرحها ما يأتي:
- (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
التفسير الحرفي للآية: خسرت يدا أبي لهب، وخسر هو، ولكن المعنى المراد هو إثبات تبِّ عمله، كما أنَّ من معاني الآية: الدعاء عليه؛ ولذلك قال بعدها: (وَتَبَّ)، وهذا خبرٌ يفيد أن الوعيد متحقق قطعاً، وذكر ابن زيد أنَّ التبّ هو الخسران، ونسب التبَّ لليدين؛ لأن سبب التبّ هو ما كسبت يداه.
- (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)
أي: أيُّ شيء سيغنيه دافعاً عنه سخط ربه وحلول الهلاك والخسران؟ الجواب لن يفيد ماله ولا كسبُهُ مِن أولاده، وروي أنَّ ابن عباس رأى يوماً أحفاد أبي لهب يقتتلون، فجعل يحجز بينهم ويقول: هؤلاء مما كسب.
- (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)
توعدت الآية أبا لهب بأنه سيصلى ناراً ذات لهب، فحصل في السورة وعيدان لأبي لهب: في الدنيا: بإبطال سعيه، ودحض عمله؛ وفي الآخرة: سيُعذب بنار ذات شرر ولهيب، وإحراق شديد.
- (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)
كانت تحمل الشوك المحتطب اليابس فتطرحه في طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليدخل في قدمه، إذا خرج من بيته إلى الصلاة، وكانت كمية الحطب كبيرة وكأنه حين يدوس عليها يصعد على كثيب -وهذا الذي رجحه الطبري-.
وقيل: المقصود بحمالة الحطب ، أنها كانت تحطِب عليه بالكلام السيء شعراً ونثراً، وتمشي بالنميمة لتكذيبه، وتعيِّره بالفقر، وسبحان الله! كانت تعير الرسول بالفقر، فصارت تعيَّر إلى يوم القيامة.
- (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
الجِيْد هو العنق والرقبة، وتعددت التفاسير في المسد في أقوال:
- قيل: المسد: الليف، أو حبالٌ اشتهِرت بها مكة، قيل: تجلَب من اليمن وكانت حباله تُصنع من الشجر، ومِن نَوعها كان الحبل الذي كانت تحتطب به.
- قيل: المسد العصا التي تكون في البكرة.
- قيل: الحديدة التي تكون في البكرة.
- يقال المسد: قلادة مصنوعة من ودع.
- ورجّح الطبري أنَّ المسد: "حبل جُمِع من أنواع مختلفة؛ ولذلك تعددت تفاسير أهل التأويل فيه على النحو الذي ذكرنا، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب، أمرٌ من أشياء شتى، من ليف وحديد ولحاء، وجعِل في عنقها طوقاً كالقلادة مِن ودع".
ويقصد بالودع: نوع من الحلي كالصدف الذي يستخرج من شواطئ البحر يكون على شكل خرز أبيض قاموا بثقبها في بطونها بشق يشبه شق نواة التمرة، وهي تتفاوت في الصغر والكبر.
أسباب النزول في سورة المسد
ذكر الطبري أسباب النزول لبعض آيات سورة المسد بإسناده الخاص، أبرزها ما يأتي:
- سبب النزول الأول
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال أبو لهب للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا أُعطى يا محمد إن آمنت بك؟ قال؟ "كما يُعطى المسلمون"، فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: "وأي شيء تبتغي؟" قال: تباً لهذا من دين تباً، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ).
- سبب النزول الثاني
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم الصفا، فقال: "يا صباحاه!" فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ قال: "أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني؟"
قالوا: بلى، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تباً لك، ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل الله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) إلى آخرها.
- سبب النزول الثالث
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) قال: حين أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان اسمه عبد العزى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تباً لك، في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل الله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ).