تفسير سورة المسد لابن كثير
اسم السورة في تفسير ابن كثير
ذكر ابن كثير أن اسم السورة: تبت، وكذا اسمها في بعض التفاسير مثل تفسير الطبري وتفسير الواحدي، وفي بعض كتب الحديث كسنن الترمذي وسنن سعيد بن منصور، واسمها في صحيح البخاري : "سورة تبت يدا أبي لهب" والمسد.
تفسير ابن كثير لسورة المسد
إن مِن أبرز ما ورد في تفسير ابن كثير لمعاني المفردات والتراكيب الواردة في سورة المسد ما يأتي:
- (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)
التبُّ هو الخسارة والهلاك والخيبة وضلال السعي، وتكرر التبُّ مرتين: الأول دعاء على أبي لهب ، والثاني إخبار بأن الوعيد قد تحقّق ولن يُخلف، وأبو لهب المذكور في الآية هو أحد أعمام النبي، واسمه الحقيقي: "عبد العزى"، واشتُهر بلقب "أبي لهب"؛ لإشراق وجهه، وكان كثيراً شديد العداوة كثير الأذية والبغض للنبي الكريم.
- (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)
ويُقصَد بكسبِ أبي لهب في الآية: أبناؤه، بدليل ما رواه ابن مسعود أنَّ أبا لهب كان يقول: إذا كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة مِن العذاب بمالي وولدي.
- (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ)
سوف يصليه يوم القيامة بنار ذات شرر، ولهيب، شديدة الإحراق، وفي الآية إعجاز بالغيب؛ لأنَّ أبا لهب لم يُسلم ولم يدّع ذلك نفاقاً على الأقل للتشويش على القرآن، فالسين في (سَيَصْلَى) للوعيد: أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته.
- (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)
امرأته هي أم جميل، ولقبها ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) على الحقيقة؛ لأنها كانت تحمل حزمة حطبٍ تنثرها ليلاً في طريق النبي، وقيل على المجاز: لأنها تمشي بالنميمة مشعلةً نار العداوة بين الناس، والمسد هو الحبل المفتول فتلاً شديداً، والمعنى: في جيدها حبل مما مُسِّد مِن الحبال، وفي التصوير لها بهذه الصورة تشبيه بالحطَّابات، لتجزع بتخيلك لذلك، ويجزع بعلها، وهما في بيت العز والشرف.
روايات سبب نزول سورة المسد في تفسير ابن كثير
نقل ابن كثير ثلاث روايات بأسانيدها كما ذكرها أصحابها حول سبب نزول سورة المسد، وهي كما يأتي:
- سبب النزول الأول
قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: "يا صباحاه"، فاجتمعت إليه قريش، فقال: "أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟"، قالوا: نعم.
قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبا لك. فأنزل الله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) إلى آخرها وفي رواية: فقام ينفض يديه، وهو يقول: تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
- سبب النزول الثاني
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له: ربيعة بن عباد، من بني الديل، وكان جاهليا فأسلم قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" والناس مجتمعون عليه.
ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عمه أبو لهب، ثم رواه عن سريج، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، فذكره قال أبو الزناد: قلت لربيعة: كنت يومئذ صغيرا؟ قال: لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة، تفرد به أحمد.
- سبب النزول الثالث
قال محمد بن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: إني لمع أبا رجل شاب، أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء، ذو جمة يقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القبيلة فيقول:
"يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به"، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه.
فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب، رواه أحمد أيضا، والطبراني بهذا اللفظ، وذكر خالد المزيني سبب النزول الأول في كتابه: "المحرر في أسباب نزول القرآن" مرجحاً سبب النزول الأول؛ لأسباب أربعة، هي: صحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه.