تفسير سورة المدثر للأطفال
وصايا للنبي في بدء الدعوة
قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ* فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ* فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.
تخاطب الآيات الكريمة في سورة المدثر الرسول الكريم ، فتأمره بأن يبدأ بمهمة الدعوة إلى الله -تعالى- بكل عزم وهمّة وجد، مشيرة له بأن يقوم ببعض الأمور والآداب، من مثل: التخلق بالأخلاق الحسنة، وتقصير الثياب؛ ليكون أبعد عن تنجيس ثيابه.
وأن يكون خير قدوةٍ في إعطاء العطايا للناس، فلا يطلب أجرًا ولا شكرًا، فأجره من الله، مع ضرورة ترك الآثام والذنوب، وحثّت الآيات رسول الله على الصبر، مبتغياً بصبره رضا الله -تعالى-، كما أمرت رسول الله بتذكير الناس بيوم القيامة، وحال الناس فيه، وبالتحديد الكافرين منهم.
تهديد لكفار قريش
قال -تعالى-: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُوداً* وَبَنِينَ شُهُوداً* وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً* ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً* سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً* إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}.
قال العلماء بأن هذه الآيات قد نزلت في الوليد بن المغيرة، حين كان سببًا في انتشار إشاعة أن الرسول ساحر، وفي هذه الآيات تهديد له على ما افتراه على رسول الله، وهو الذي رزقه الله -تعالى- من نعمه، ووسّع عليه في الرزق، فقابل نعم الله -تعالى- بالكفر بالله -تعالى-، وصدّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعلى الرغم من كفره، إلا أنّه كان ينتظر المزيد من الرزق منه سبحانه، فجاءت الإجابة بأنّ كفره وعدوانه على رسول الله سيكونان سببًا بانقطاع النعمة عنه. ثم بيّنت الآيات الكريمة سوء الجزاء الذي ينتظر الوليد بن المغيرة من التعب، وتحميله ما لا يقدر عليه.
وسينقلب نعيمه في الدنيا إلى سوء، وفي الحياة الآخرة إلى عذاب، فقد كان في الحياة الدنيا يعيد النظر، ويكرر التفكير، ليفتري على كلام الله -تعالى- ما يصرف به الناس عنه، ويزيل بذلك صفة الوحي عن القرآن، فقال بأنه كلام سحر من تأليف محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وصف النار
قال -تعالى-: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ* وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ}.
بيّنت الآيات الكريمة وصف النار ، فهي لا تترك جزءًا من جسد الإنسان إلّا أحرقته، جاعلة وجوههم أشد سوادًا من الليل، ولا يستطيع أحد الفرار منها، فقد ورد في الآيات أن عدد خزنة النار تسعة عشر ملكًا.
ثم تحدثت الآية الكريمة عن أن هذا العدد من أجل اختبار الكفار الّذين أنكروا عددهم، وبيّنت الآية الكريمة أنّ من صفات ملائكة النار الغلظة والشدّة، وفي الوقت ذاته يزداد إيمان المؤمنين، ويعلم أهل الكتاب، بأن محمد هو الرسول الحق صلى الله عليه وسلم.
قال -تعالى-: {كَلاَّ وَالْقَمَرِ* وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ* إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيراً لِلْبَشَرِ* لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}: بعد أن انتهت الآيات من الحديث عن النار، وشدة وغلظة ملائكتها، وجّهت تحذيرًا للكافرين بأن يعودوا ويستقيموا، وللمؤمن لأن يستعدّ جيداً، فعقاب الله -تعالى- شديد، فكفى بنار جهنم رادعًة عن المنهيات.
حوار بين أصحاب اليمين والمكذبين
قال -تعالى-: {كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ* فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}.
بدأت الآيات الكريمة بالحديث عن أن كل إنسان سوف يحاسب ويعاقب على أعماله السيّئة، إلا أصحاب اليمين؛ وهم أصحاب الأعمال الصالحة، فسينطلقون إلى الجنة التي فيها النعيم المقيم، وصورت الآيات الكريمة تساؤل أصحاب الجنة عن مصير المجرمين الذين أساؤوا في الحياة الدنيا.
فوجدوهم في وسط العذاب، فسألوهم عمّا فعلوه ليلاقوا ما هم فيه من العذاب، فأجابوا بأنّهم كذّبوا بيوم الدين، فلم يقربوا الصلاة، ولم يحسنوا إلى الفقير، فما إن أتتهم لحظة الموت حتى علموا ما كانوا عليه من الباطل.
المعرضون عن القرآن
قال -تعالى-: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ* فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ* بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً* كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ* كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ}.
صوّرت الآيات الكريمة حالة المنكرين ليوم البعث المشركين بالله -تعالى- بأنّهم بإعراضهم عن الله -تعالى- وعن مواعظ القرآن الكريم بمثابة الحمر الوحشية الهاربة من الرماة، ثم انتقلت الآيات الكريمة إلى طلب أهل مكة وبالتحديد كفار قريش بأن يمتلك كل رجل منهم صحفًا من القرآن الكريم، وأن تأتيهم هذه الصحف وقت نزولها من عند جبريل، وهذا الطلب دلّ على زيادة تعنّتهم وإعراضهم عن رسول الله وعن دعوته.
القرآن موعظة بليغة
قال -تعالى-: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ* وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ* هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}.
انتهت الآيات الكريمة من سورة المدّثر بالحديث عن دور القرآن في الموعظة والاعتبار، فلا يؤمن به إلا عباد الله -تعالى-، مع التنبيه على أن الهادي هو الله -تعالى-، فهو المستحق للعبادة والتقوى.
الدروس المستفادة من سورة المدثر للأطفال
فيما يأتي بعض من الدروس والعبر المستفادة من سورة المدثر:
- الصبر
- يدرك المسلم بأن الدعوة لله -تعالى- تحتاج إلى الصبر، ليكمل طريقه في الدعوة بلا توقف.
- أهمية الأخلاق الحسنة
- يحرص الداعية على التخلّق بأخلاق الإسلام؛ لأن الداعية عليه مسؤولية الدعوة، فهو القدوة في أعين من حوله من المسلمين.
- عدم اليأس
- يدرك الداعية بأن طريق الدعوة يتعرض فيه الدعاة إلى العديد من الناس المعارضين، فلا ييأس، فقد واجه الأنبياء من قبل مثل ذلك وأشدّ.