تفسير سورة الكوثر
تفسير سورة الكوثر
هي أقصر سورةٍ في القرآن الكريم، إذ يبلغ عدد آياتها ثلاث آياتٍ، وتتكون من عشر كلماتٍ واثنين وأربعين حرفاً،وهي سورةٌ مكيَّةٌ ، وقيل بأنّها مدنيَّةٌ، وقد نزلت بعد سورة العاديات، أمّا ترتيبها في المصحف؛ فهي بعد سورة الماعون، وسمّيت بسورة الكوثر لورود كلمة الكوثر فيها، وتسمّى أيضاً بسورة النحر.
معاني المفردات
فيما يأتي بيان معاني المفردات الواردة في هذه السورة، وهي:
- الكوثر: اسم نهرٍ من أنهار الجنّة ، وهو الحوض الذي يسقي منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته يوم القيامة، والكوثر هو الخير الكثير والعطاء الكبير.
- شانئك: من يُبغضك ويكرهك.
- الأبتر: المُنقطع والمبتعد عن كلّ خيرٍ، والذي ليس له ذريَّةٌ.
مناسبة السورة لما قبلها
لمَّا ذَكر الله -تعالى- في سورة الماعون الأوصاف الأربعة للمكذب بالدين، وهي البخل والشح، وترك الصلاة والإعراض عنها، والرياء، ومنع المعونة والزكاة، ناسبَ أن يذكر في هذه السورة ما يقابل تلك الأوصاف الذميمة من أوصافٍ حميدةٍ وهبها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكرَ أنه منحهُ الكوثر، وهو الخير الكثير والنهر العظيم في الجنة، فهو رمزٌ للعطاء والبركة والجود، وذكر بعد ذلك الأمر بالصلاة والمحافظة عليها، والإخلاص فيها لله -تعالى-، ثم ذكر الأمر بذبح الأنعام والأضاحي والتصدق بلحومها على الفقراء، وبذلك فقد قابلَ أربعة أوصافٍ بأربعةٍ أخرى.
سبب النزول
سبب نزول سورة الكوثر هو استضعافُ قريشٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- والشماتة به بسبب موت أبنائه، فقد كانوا يسمّون من ليس له أولادٌ ذكورٌ بالأبتر، وقد قالوها استهزاءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وكراهيةً وإيذاءً له ولأصحابه، فردَّ الله -تعالى- عليهم ووبّخهم على كلامهم القبيح، وأخبرهم بأنّهم هم المقطوعون الذين لن يبقى لهم ذِكرٌ وأثرٌ ولن تبقى لهم قوَّةٌ ولا عزَّةٌ، وأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو صاحب العطاء الكبير والجود الإلهيّ العظيم والخير الكثير الذي سيعم الناس جميعاً، وهو المؤيّد بنصر الله وفتحه، وأنّ الكافرين هم المهزومون الخائبون.
وقد وردت في سبب نزول هذه السورة عدَّة روايات، ومن أصحّها ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما قدم كعبُ بنُ الأشرفِ مكةَ؛ أتوْهُ فقالوا: نحنُ أهلُ السقايةِ والسدانةِ، وأنت سيدُ أهلِ يثربَ، فنحنُ خيرٌ أم هذا الصنيبيرُ المنبترُ من قومِه يزعمُ أنَّهُ خيرٌ منا؟ فقال: أنتم خيرٌ منه، فنزلتْ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ".
وروى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "بيْنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ بيْنَ أظْهُرِنَا إذْ أغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: ما أضْحَكَكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ * إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ)، ثُمَّ قالَ: أتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فيُخْتَلَجُ العَبْدُ منهمْ، فأقُولُ: رَبِّ، إنَّه مِن أُمَّتي فيَقولُ: ما تَدْرِي ما أحْدَثَتْ بَعْدَكَ".
المعنى الإجمالي للآيات
يخبرُ اللهُ -تعالى- نبيّه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أنّه أعطاه الكوثر، والكوثر نهرٌ عظيمٌ في الجنة، كما جاء في الحديث: "الكَوْثَرُ نهرٌ في الجنةِ حافَتَاهُ من ذهبٍ ومَجْرَاهُ على الدُّرِّ والياقوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ من المِسْكِ وماؤُهُ أَحْلَى من العَسَلِ وأَبْيَضُ من الثَّلْجِ"، والكوثرُ أيضاً هو الخير الكثير الذي لا حدّ له، وهذه المنحة تكريمٌ من الله -تعالى- لرسوله، وتطييبٌ لخاطره، وإدخالٌ للسرور على قلبه، بعد الحزن الذي أصابه بفقد أبنائه، وبعد الأذى الذي لحق به من استهزاء المشركين به، ووصفهم له بالأبتر، وهو ردٌّ قاصمٌ عليهم، وإسكاتٌ وإفحامٌ لهم، بعد أن تمادوا في عداوتهم وبغضهم للرسول الكريم -عليه الصلاة والتسليم-.
ثم يأمر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بإقامة الصلاة بإخلاصٍ لربّه، شكراً وحمداً له على نعمته العظيمة عليه، ومنته الجسيمة التي خصّه بها، وأمره كذلك بذبح النسك في الحجّ والأضحية في العيد وغيرها من الذبائح المشروعة في الإسلام التي تُذبح لوجه الله -تعالى- ويتم التصدّق بلحومها على فقراء المسلمين، وهذا عكس صفة أهل الشرك والنفاق الذين كانوا يبخلون ولا يطعمون الفقير، وكانوا يشركون بالله -تعالى- بالتوجّه إلى غيره في العبادة والنحر.
ثمّ أخبر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنّه ليس بأبترٍ ولا مقطوع، بل إنّ الذين يصفونه بهذه الصفة هم المبتورون وهم المقطوعون؛ لأنّهم يبغضونه ويحاربونه ولا يؤمنون به وبما جاء به من الهدى والنور، فإن ظلّوا على هذا الحال فسيهلكهم الله -تعالى- في الدنيا وسيقطع ذكرهم بإذلالهم وهزيمتهم، وسيعذبهم في الآخرة في نار جهنم، وهذا سيكون مصير كلّ من أبغض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أو أساء إليه.