تفسير سورة العاديات ومقاصدها
تفسير سورة العاديات
هناك عدة معلومات متعلقة بتفسير سورة العاديات، نوردها على النحو الآتي:
قسم الله بالعاديات
قال الله تعالى : (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا* فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا* فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا)، أقسم الله تعالى بالخيل في أفضل حالاتها، وهي ثلاث حالات: عاديات، موريات، ومغيرات، وتلك الحالات تكون في حال الحرب والجهاد، وبيان ذلك فيما يأتي:
قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا)، المعنى: يقسم الله تعالى بالخيل إذا جرت جرياً شديداً، وخرج منها صوت النفس بقوة، والعاديات؛ بمعنى جرى يجري، والعاديات؛ هي الخيل إذا عدت وجرت، و"ضبحاً": هو صوت النفس الشديد، و قوله تعالى: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا)، المعنى: يقسم الله -تعالى- بالخيل التي تقدح الشرر، فيخرج بسبب ارتطام حوافرها بالحجارة.
وفي قوله تعالى: (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا)، يقسم الله تعالى بالخيل إذا أغارت على العدو وقت الصباح، ومن عادة العرب أنها كانت تمشي إلى العدوّ ليلا تخفياً، وتُغير في الصباح قبل صحوة الناس ليُباغتوهم؛ والمغيرات جمع مُغيرة ومعناها أغارت، وقد أقسم الله -تعالى- بخيل الجهاد من أجل أن يُبين للناس أن الأصل في الخيل أن لا تُقتنى إلا لهذه الغاية، وليس للزينة والتجمل فحسب.
قول الله تعالى: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)، النقع له معنيان؛ الغبار، والصوت الشديد، ومعنى الآيتين: أن هذه الخيول العاديات الموريات القادحات من شدة عدْوهنّ هيّجْن الغبار، وأحدثت في الحرب ضجيجاً، وشققن الصفوف المجتمعة من المقاتلين، حتى أصبحت هذه الخيل العاديات واقفة في وسط هذا التجمع، وهذا إشارة إلى الشجاعة والقوة.
على ماذا أقسم الله في السورة
أقسم الله تعالى بالخيل في هذه السورة الكريمة، وقد كان القسم بالخيل على الأمور الآتية:
- كفران وجحود الإنسان لربه، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)، والكنود: هو الكفور الجحود، والمقصود بالإنسان هنا:
- عموم الناس دون تخصيص كافرهم من مسلمهم؛ لأن هذه الصفات بمعناها الأصغر، غريزية في الإنسان لا يخلو منها أحد.
- الكافر خاصّة؛ وهذا في المعنى الأكبر للكفران والجحود، أما بالمعنى الأصغر فتشمل كل البشر.
- شهادة الإنسان على نفسه أو شهادة الله تعالى عليه بذلك: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ)، والشهادة هنا لها معانٍ عدة:
- أن الإنسان في قرارة نفسه يشهد على نفسه بهذه الصفات، ويعلم هذه الصفات في نفسه.
- أن الإنسان يشهد بمقاله -قوله- على نفسه.
- أن الإنسان يشهد بحاله وأفعاله بأن هذه الصفات متوافرة فيه.
- أن الله تعالى هو الذي يشهد على الإنسان، فالضمير بحسب هذا المعنى في "إنه" يكون عائداً على الله تعالى وليس على الإنسان.
- شدة حب الإنسان للمال، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، معنى الخير: المال، ووصف حبه للمال، كناية عن البخل، ووصف هذا البخل بالشدة؛ لأمور:
- أن المال لا يخرج منه إلا بعد تشدد وتعنت ومجادلة ومحاولة، أي أن المال لا يخرج منه بسهولة، بل بشدة.
- أنه يشدّ على صرته -مكان حفظ المال- بقوة، كيلا يخرج المال منها، ويضيع.
التذكير بما يكون يوم القيامة من بعث وجزاء
قال الله -تعالى-: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ* إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ)، يوجه الله تعالى هنا الكلام للإنسان ويسأله عن مصيره، وأن الله مطلع عليه، عالم بحاله الذي يعلنه والذي يخفيه، وأن الله -تعالى- سيحاسبه على اتباع الشهوات وفعل المحرمات وترك الطاعات، وعلى ما ترك من حق الله -سبحانه وتعالى- في مقابل حقه وهواه، وقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ)، أي: عالم بظواهر ما عملوا وباطنه، وعلمه هذا سيلحق به المحاسبة ويكون بعده الجزاء إما بالثواب وإما بالعقاب.
مقاصد سورة العاديات
تضمنت سورة العاديات على العديد من المقاصد، نوردها على النحو الآتي:
- القسم الرباني بخيول المجاهدين على أن الإنسان كنود وجحود لنعمة الله -تعالى- عليه، بالرغم من إقراره وشهوده على نفسه بهذا الأمر.
- بيان ما جُبل عليه ابن آدم من حبه الغزيزي الشديد للمال، وحرصه عليه.
- الحث على حبّ العمل الصالح، وعلى القيام بما يعود بالخير على الإنسان عند لقائه ربه.
أقسم الله تعالى بخيول المجاهدين ليؤكد للإنسان حقيقة يعرفها ويشهد عليها؛ وهي أنه جحود لنعمة ربه عليه، وأنه يحب المال حباً شديداً، حتى أدخله هذا الحب الشديد في ظلمات البخل والحرص، ثم يذكره بأنه سيخرج من قبره لملاقاة ربه، وسينشق عنه قبره، وينشق صدره، حتى يُكشف سرُّه وينفضح أمرُه، فليعلم هذا الآن وليعمل له جيداً، قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه الحسرة ولا الندامة.