تفسير سورة الذاريات للأطفال
قسم الله على وقوع البعث
قال تعالى : (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا* فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا* فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا* فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا* إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ* وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ* وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ). ابتدأت سورة الذاريات بقسم الله -عزوجل- ببعض مخلوقاته، وذلك لبيان عظمته في خلقه، ومن باب التشريف لهذه المخلوقات المذكورة في الآيات، وفيه أيضًا تذكير بنعم الله التي أنعمها على الناس، بما أوجد في هذه المخلوقات من منافع لهم.
فقد أقسم الله -عزوجل- بالذاريات، في قوله -تعالى-: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا)، والذاريات: هي الرياح التي تحرك الأشياء وتنقلها من مكانها، مثل حبوب النباتات التي تنقلها الرياح، فينبت بذلك الزرع والثمار بأمر الله -تعالى-.
ثم أقسم الله -عزوجل- بالحاملات، فقال -تعالى-: (فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا)، وهي: السحب والغيوم المحملة بالأمطار الثقيلة، فتسير السحب من مكان لآخر، حاملة معها الخير والمطر، لتسقي الناس والنباتات والحيوانات، فتنزل على الأرض اليابسة الجافة فتصبح بإذن الله، أرضًا مخضرة.
كما أقسم بالجاريات: وهي السفن التي تنقل الركاب والبضائع من مكان لآخر والتي تجري بسهولة ويسر، أمّا المقسّمات: فهم الملائكة الذين يقسّمون الأرزاق والأمور بين العباد حسب تكليف الله لهم، ثم قال -تعالى-: (إنما توعدون لصادق* وإن الدين لواقع).
وفي هاتين الآيتين تأكيد من الله -عزوجل- على وجود البعث ، وأن الناس سيحاسبون يوم القيامة على أعمالهم، وأن هذا اليوم واقع متحقق، ثم أقسم الله -عزوجل- بالسماء ذات الحبك، أي: السماء ذات الجمال والزينة، فالله -تعالى- خلق السماء بأحسن صورة، مزينة بالنجوم والسحب.
عقوبة الكافر وجزاء المؤمن
قال -تعالى-: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ* يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ* ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَـذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ* إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ).
تتحدث الآيات الكريمة عن حال الكافرين الظالمين، يوم القيامة ، فوصفهم الله -تعالى- بالخرّاصين: أي الكاذبين الذين يقولون ما لا يعلمون، كما وصفهم بأنّهم: (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ)، فهم في حياتهم مستمرون باللهو واللعب، غافلين عن اليوم الذي سوف يحاسبهم الله -تعالى- فيه على أعمالهم، وقد كانوا يستهزؤون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ويسألونه: متى يوم الحساب؟ الذي وعدنا الله به؟.
وتأتي الآيات لتجيبهم أنّ يوم الحساب الذي كنتم تستعجلون قدومه، قادم لا محالة، وستلاقون جزاءكم في نار جهنم؛ لما كنتم عليه من الظلم والعصيان، ثم تتنقل الآيات لتصف حال المؤمنين الذين اتقوا ربهم، بأن جزاءهم الجنة، يتنعمون فيها، لأنهم كانوا يعملون الصالحات ويطيعون ربهم -عزوجل-.
صفات المؤمنين وأعمالهم الصالحة
قال -تعالى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، تكمل الآيات الكريمة، حديثها عن صفات المؤمنين ، الذين استحقوا دخول الجنة؛ جزاءً لأعمالهم الصالحة، فقد كانوا يقومون الليل كثيرًا عبادة لله -عزوجل-، وينامون وقتًا قليلاً لانشغالهم بالعبادة.
ويستغفرون الله -تعالى- ويدعونه في وقت السحر ؛ أي: الوقت الذي قبل الفجر بقليل، ووصفهم الله -تعالى- بأنهم يخصصون جزءاً من أموالهم؛ ليتصدقوا على الفقراء والمحتاجين والسائلين.
مظاهر قدرة الله تعالى ووحدانيته
قال -تعالى-:(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ* وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، تنتقل الآيات للحديث عن مظاهر قدرة الله -عزوجل- في الخلق، فتدعو الآيات للتأمل في خلق الله للأرض التي مهدها، أي جعلها مناسبة ليعيش الناس عليها، ويعملوا ويأكلوا مما رزقهم الله في هذه الأرض من الخيرات.
ولينظروا إلى أنفسهم وأجسامهم التي خلقها الله في أحسن تقويم وفي أحسن شكل، ثم تبين الآيات أن رزق الإنسان بيد الله -تعالى-، فلا يخاف على رزقه، ويقسم الله بالسماء والأرض تأكيدًا للناس على أن رزقهم في السماء، وإن ما وعدهم الله هو الحق.
قصة إبراهيم مع ضيوفه
قال تعالى :(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ* فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ* فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ* فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ* قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ).
تتحدث الآيات عن قصة نبي الله إبراهيم - عليه السلام-؛ فقد جاءت الملائكة لزيارة سيدنا إبراهيم، وكانوا بهيئة بشرية، فدخلوا عليه وألقوا التحية والسلام، فرد عليهم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- التحية وقال لهم: سلامًا، إنكم غرباء عنا، فلا نعرفكم.
وقد كان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- لا يعرف أنهم ملائكة من عند الله -تعالى-، ثم انتقل مسرعًا إلى أهله؛ ليكرمهم، فأحضر لهم عجلًا قام بشوائه لهم، وقدمه إليهم، لكن الملائكة لم تأكل منه.
فسألهم سيدنا إبراهيم: ألا تأكلون؟، وأحس منهم في نفسه خوفًا، فطمأنته الملائكة، وقالوا له: لا تخف، وأخبروه بأنّهم ملائكة من عند الله، ثم بشروه بأن الله -عز وجل- سيهب له ولداً، فأقبلت زوجة إبراهيم -عليه السلام- ولطمت وجهها بيدها متعجبة.
وقالت امرأة إبراهيم -عليه السلام-: إني امرأة كبيرة في السن لا أستطيع الحمل والولادة، فكيف ذلك؟ فردّت عليها الملائكة: هذا من أمر الله -عزو جل- وهو قادر على كل شيء، وقادر على أن يهب لك ولدًا، فهو حكيم عليم.
قصة لوط مع الملائكة
قال -تعالى-: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ* مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ* فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ* وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ).
ثم انتقلت الملائكة من قصة سيدنا إبراهيم إلى قصة نبي الله لوط -عليهما السلام-؛ فلما قدموا إليه ورآهم لم يعرفهم أيضًا، فقالت له الملائكة: إنا رسل من عند الله؛ جئنا لننزل على الكافرين من قومك الذين ظلموا وتكبروا أشد العذاب لما كانوا يعملون، ونخرج المؤمنين من هذه القرية، ولم تجد الملائكة من المؤمنين غير بيت واحد فقط، هو بيت لوط -عليه السلام- وابنتاه.
قصص الأنبياء مع أقوامهم
قصة موسى مع فرعون
قال -تعالى-: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ* فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ)، وتتحدث سورة الذاريات أيضًا عن سيدنا موسى -عليه السلام-، الذي أرسله الله -عزو جل- إلى فرعون وهو حاكم مصر فيذلك الزمان؛ ليدعوه لعبادة الله، وقد أيده الله بالمعجزات التي تثبت صدق نبوته.
واستكبر فرعون وقومه، وكذبوا سيدنا موسى -عليه السلام- وقالوا له: أنت ساحر أو مجنون، فنحن لا نصدقك، فكان جزاء فرعون وقومه أن الله أهلكهم وأغرقهم في البحر، جزاء لتكبرهم عن الحق.
قصة عاد وثمود وقوم نوح
قال -تعالى-: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ* وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ* فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ* فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ* وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).
أخبرنا الله -عزو جل- عن قوم عاد وثمود وقوم سيدنا نوح -عليه السلام-؛ لتكون عبرة للناس، فأرسل الله على قوم عاد جزاء كفرهم الريح القوية الشديدة التي لا خير فيها؛ فأهلكتهم جميعًا، وقوم ثمودٍ الذين توعدهم الله -عزو جل- بالعذاب الأليم.
وقال لهم نبيهم عيشوا متمتعين بحياتكم، حتى يهلككم الله، فكفروا وتكبروا، فأنزل الله عليهم صاعقة من السماء؛ فهلكوا جميعًا، وأما قوم نوح -عليه السلام-، الذين أغرقهم الله بالطوفان، ونجّى الله سيدنا نوح والمؤمنين من هذا العذاب.
الأمر بعبادة الله تعالى وحده وعدم الشرك به
قال -تعالى-: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ* كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ* فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ* وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ).
اختُتِمت سورة الذاريات، بدعوة الناس لعبادة الله وحده، وعدم الشرك به، وأن لا يكون حالهم كحال الأقوام الذين من قبلهم، من الكفر والظلم، وتكذبيهم لأنبياءهم، وفي هذه الآيات تذكير للمؤمنين، أن الله خلق الإنس والجن، لهدف واحد، وهو عبادة الله وحده.