تفسير سورة الحجر للطبري
سورة الحجر
سورة الحِجْر سورةٌ مكيةٌ، وهي السورة الخامسة عشرة في ترتيب المصحف الشريف، وعدد آياتها تسعٌ وتسعون آيةً، وهي السورة الرابعة والخمسين في النزول، وقد نزلت بعد سورة يوسف وقبل سورة الأنعام، وسميت بسورة الحجر؛ لأنّ كلمة الحجر لم تذكر في القرآن الكريم إلا فيها، والحِجر اسمُ بلاد ثمود.
تفسير سورة الحجر للطبري
يمكن تقسيم آيات سورة الحجر كما فَسَّرها الإمام أبو جعفر الطبري إلى ثلاثة أقسامٍ، وذلك على النحو الآتي:
القسم الأول
وهذا القسم يشمل الآيات من (1 إلى 15) وهذه الآيات تتحدث عن الثناء على القرآن الكريم والرد على بعض تُهم ومطالب الكافرين، مع التهديد والتذكير بسنة الأولين،ويشير الطبري إلى أنّ المقصود من قوله -تعالى-: (تِلكَ آياتُ الكِتابِ) أن آيات الكتاب هي التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل، وأنّ المقصود من قوله -تعالى-: (وَقُرآنٍ مُبينٍ) أن من تأمّل القرآن وتدبره أرشده الله وهداه، وأمّا الكافرون الذين جحدوا وأنكروا وحدانية الله -تعالى- فيتمنون لو أنهم أسلموا في الحياة الدنيا.
ثم يرد الله -تعالى- على بعض مطالب الكافرين، الذين قالوا للرسول: هل تأتينا بالملائكة شاهدةً لك على صدق ما تقول بأنّ الله بعثك إلينا رسولاً وأنزل إليك كتاباً؟ وذلك بقوله: (ما نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إِلّا بِالحَقِّ)؛ أي إمّا بالرسالة لرسلنا أو بالعذاب لمن أردنا تعذيبه، ثمّ يبين الله حفظه للقرآن الكريم من أن يُراد فيه باطلٌ، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه، ويخاطب الرسول بأنّ هذا القرآن لا يؤمن به قومك حتى يروا العذاب الأليم كما هي طريقة أسلافهم من المشركين قبلهم.
القسم الثاني
وهذا القسم يشمل الآيات من (16 إلى 81) وهي تتحدّث عن إقامة الحجة على البعث والحساب، وبيان الصراط المستقيم، والبشارة والإنذار، وبيان قصة إبراهيم ولوط بالتفصيل، ثمّ الإشارة إلى قصص الأمم الأخرى بإجمالٍ، وممّا جاء في تفسير الطبري حول هذه الآيات ما يأتي:
- قوله -تعالى-: (وَلَقَد جَعَلنا فِي السَّماءِ بُروجًا وَزَيَّنّاها لِلنّاظِرينَ)،أي جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر، وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها.
- قوله -تعالى-: (إِنّا لَنَحنُ نُحيي وَنُميتُ)،أي نحيي من كان ميتاً إذا أردنا، ونميت من كان حياً إذا شئنا.
- قوله -تعالى-: (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ)،الصلصال هو الطين الجاف الذي يُسمع له صوتٌ إذا نُقر عليه، أمّا الحمأ المسنون فهو الطين ذو اللون الأسود المتغير.
- قوله -تعالى-: (نَبِّئ عِبادي أَنّي أَنَا الغَفورُ الرَّحيمُ)،يخبر الله -تعالى- سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يبشر عباده بستر ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا، وأنّه هو الرحيم لا يعذبهم عليها بعد توبتهم.
- قوله -تعالى-: (وَإِن كانَ أَصحابُ الأَيكَةِ لَظالِمينَ)،يذكر الله -تعالى- هنا أصحاب الأيكة ، والأيكة الشجر الكثير الملتف، وكان رسولهم شعيبٌ -عليه السلام-، ووصفهم الله بالظلم لعدم استجابتهم، وهذه الآية فيها إنذارٌ؛ فالله -تعالى- انتقم منهم وعذبهم على ظلمهم.
القسم الثالث
وهذا القسم يشمل الآيات من (85 إلى 99) وهي تتحدث عن خلق السماوات والأرض بالحق، وعن حتمية يوم القيامة، مع ذكر المنّة بإيتاء النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن، ثمّ ختم السورة بتوجيهاتٍ تُثبت على الحقّ؛ وذلك لحثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدم التعجب، وإشغال الفكر بشهوات الدنيا التي يتمتع بها أغنياء قومه، الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر،وممّا أورد الطبري في تفسير هذه الآيات ما يأتي:
- قوله -تعالى-: (وَما خَلَقنَا السَّماواتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما إِلّا بِالحَقِّ وَإِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ)،أي أنّ الله -تعالى- خلق الكون كله سماواته وأرضَه وما فيهما وما بينهما بالحق، أي بالعدل والإنصاف، لا بالظلم والجور، وأنّ الساعة التي تقوم فيها القيامة ستأتي لا محالة.
- في قوله -تعالى-: (وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ)،اختلف أهل التأويل في معنى السبع، فقيل هي السبع الطوال، وقيل هي الفاتحة، والقرآن العظيم: أي سائر القرآن الكريم .