أثر أسباب النزول في فهم الآية القرآنية
أثر أسباب النزول في فهم الآية القرآنية
تعدّ معرفة سبب النزول المتعلقة بالآية الكريم الركيزة الأساسية التي يقوم عليها فهم النص الشرعي من القرآن الكريم ووضوحه ومعرفة التاريخ الذي نزل فيه، والقدرة على التمييز والترجيح بين الروايات الواردة في تفسيرها، وفي ذلك قال العلماء ما يأتي:
- يقول الواحدي: "أسباب النزول هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها، وبيان سبب نزولها".
- جاء عن ابن دقيق العيد أنّه قال في أسباب النزول إنّه طريق قوي لفهم الآيات القرآنية.
- قال ابن تيمية إنَّ معرفة سبب النزول مما يعين على فهم الآيات، ثمّ وصفها بأنّها مسبب للآيات وبأن العلم بالمسبب يورث العلم بالسبب.
- يرى البعض أنَّ معرفة سبب نزول الآيات لا أهمية له؛ إذ هو مجرد حدث تاريخي لا فائدة من معرفته وفهمه ودراستها؛ لكنّ قد يتوقف فهم الآيات الكريمة على معرفة سبب النزول.
مفهوم أسباب النزول
جاء نزول القرآن الكريم على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وفقاً لأمرين؛ إمّا أنّ الآيات تتنزل بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة، وهو سبب غير مباشر، وإمّا أن الآيات تتنزل بحادثة أو سؤال بشكل مباشر، وهو المرتبط مباشرة بأسباب النزول، وعليه فإنَّ سبب النزول هو كل قول أو فعل أو سؤال صدر ممن عاشوا فترة نزول الوحي وما نزل بشأنه قرآناً.
وبشكلٍ مفصل فإنَّ تعريف سبب النزول في الاصطلاح الشرعي: هو ما وقع من حادثة زمن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سؤال وجّهه أحد الناس للرسول، فنزلت فيه آية أو آيات مبينة للحادثة أو مُجيبة على السؤال.
ولا يدخل في أسباب النزول ما أخبر به القرآن فيما يتعلق بشأن الأمم السابقة، لأنَّ حدوثها لم يكن زمن رسول الله، وعرّفه الإمام السيوطي بأنَّه: ما نزلت فيه الآيات وقت حدوثه، وقال الزرقاني: هو ما نزل من الآية أو الآيات متحدّثة عنه أو مبينة لحكمه في الوقت الذي وقع فيه.
أهمية أسباب النزول
تتجلّى أهمية معرفة أسباب نزول الآيات من خلال أثرها الكبير في فهم الآيات القرآنية والنصوص الشرعية، ثمّ الحكمة التي من أجلها شرع الله الحكم الشرعي، وقد ساعدت أسباب النزول في الكثير من مواضيع علم أصول الفقه ؛ كموضوع خصوص السبب، وموضوع عموم اللفظ، وذلك عند من يرى أنّ العبرة بخصوص السبب، لكن الصحيح أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن أهميتها معرفة المعنى والاستقرار على مُرادها الصحيح، والعمل على دفع التوهم والشكّ الحاصل في الآيات والمؤدي إلى الحصر، كما في قول الله -تعالى-: (قُل لا أَجِدُ في ما أوحِيَ) ، فالآية نزلت في الكفار حين قاموا بتحليل ما حرّم الله -تعالى- وتحريم ما أحلّ، فجاءت الآية لتقول لهم: إنَّ الحلال ما حرمتموه والحرام ما أحللتموه.