تفسير الآية الكريمة (غير المغضوب عليهم)
تفسير الآية الكريمة (غير المغضوب عليهم)
هذا جزءٌ من الآية الكريمة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، وهي الآية السابعة والأخيرة من سورة الفاتحة ، وهي أول سورةٍ في القرآن الكريم من حيث ترتيب السور، وهي سورةٌ مكيةٌ، نزلت بعد سورة المدثر، وقد اشتملت سورة الفاتحة على المعاني الكبرى في القرآن الكريم، وأصول الإسلام وفروعه، وتحدثت عن العقيدة والإيمان والعبادة والتشريع، ولسورة الفاتحة الكثير من الأسماء، ومن أسمائها: الصلاة، والحمد، وفاتحة الكتاب، وأم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، وغيرها، ولسورة الفاتحة فضلٌ عظيمٌ، ومما ورد في فضلها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزلَ اللهُ في التوراةِ، ولا في الإِنَّجيلِ، مثلَ أمِّ القرآنِ، وهِيَ السبعُ المثانِي، وهِيَ مقسومَةٌ بيني وبينَ عبدي ولعبدِي ما سأَلَ".
تفسير قوله -تعالى-: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
المقصود بقوله -تعالى-: (صراط الذين أنعمت عليهم) أي الصراط المستقيم الذي تحدثت عنه الآية السابقة، والصراط هو الطريق والمنهج، والمقصود به دين الإسلام القائم على توحيد الله -تعالى- وإفراده بالعبادة وعدم الإشراك به، والعمل بما أنزله من أحكام، والمقصود بقوله -تعالى-: (الذين أنعمت عليهم) أي الذين ذكرهم الله -تعالى- في كتابه في قوله -تعالى-: (مَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)، والمقصود بقوله -تعالى-: (غير المغضوب عليهم) أي اليهود، لأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به فغضب الله عليهم، وأما المقصود بقوله -تعالى-: (ولا الضالين) فهم النصارى، لأنهم عملوا بغير الحق لجهلهم وضلالهم، وقد اتفق جمهور المفسرين على هذا، ويلحق باليهود والنصارى كل من اتصف بوصفهم وعمل بعملهم.
الحكمة من قول (المغضوب عليهم) بدل الذين غضبت عليهم
إن الظاهر من سياق اللفظ القرآني أن يُقال في الآية "غير الذين غضبتَ عليهم" عطفاً على ما سبقها، بدلَ قوله (غير المغضوب عليهم)، ولكن الله -تعالى- جاء بهذا اللفظ لحكمةٍ هو أعلم بها، ومما أورده العلماء من اجتهادٍ في استنباط الحكمة من ذلك ما يأتي:
- لقد عدَلَ الله -تعالى- عن قول الذين غضبت عليهم لأن سورة الفاتحة سورةُ حمدٍ وثناءٍ ورحمةٍ مكررةٍ، وإن التصريح بنسبة الغضبِ إلى الله -تعالى- يتنافى مع ذلك حسب الظاهر، مع العلم أن غضب الله على كل من يستحقه هو من مقتضى الرحمة العامة لجميع الخلق، ويستحقُّ الحمد والثناء له -تعالى-.
- أراد الله -تعالى- تنبيه المؤمن المتدبر لكلامه أن رحمة الله تسبق غضبه، وأن الغضب أمرٌ عارضٌ، فالله -تعالى- قد اشتقَّ لنفسه أسماءَ عديدةً من لفظ الرحمة والرأفة وغيرها، كالرحيم والرحمن و الرؤوف ، ولم يشتق من الغضب أي اسم.
- أراد الله -تعالى- تعليم عباده حُسن التأدبِّ في كلامهم معه، ومناجاتهم له، وألا ينسبوا إليه تصريحاً أي لفظٍ موهم أو غير مناسب.
- أراد الله -تعالى- بث الأُنس والطمأنينة في قلب المؤمن المتدبر لكلامه الخاضع لعظمته الحريص على طلب الهداية واتباع الصراط المستقيم.