تفسير آية (يتخبطه الشيطان من المس)
تفسير آية (يتخبطه الشيطان من المس)
قال الله -عز وجل-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وتفسير هذه الكريمة عند علماء التفسير كما يأتي:
- قول الله -عز وجل-: (الذين يأكلون... من المس)
الربا هو الزيادة، ويراد به في الشرع زيادة على أصل المال يأخذها الدائن من المدين عوضاً مقابل تأجيل سداده، فالذين يأكلون المال الذي يتأتى عن طرق الربا، لا يقومون من قبورهم يوم القيامة، إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ومعنى يتخبطه الشيطان من المس؛ أي يقومون كالمصروع الذي يضرب على غير انتظام.
وهو يخبط في عشواء وعمياء إذا مسه الشيطان بخبل، أو جنون فهو كالبعير الذي بأخفافه الأرض، ومعنى المس الجنون؛ لأن الشيطان إذا مس الإنسان أصابه الجنون، وهذه علامة يعرفون بها يوم القيامة.
- قول الله -عز وجل-: (ذلك بأنهم... مثل الربا)
أي سبب تخبطهم هذا وسبب صرعهم وجنونهم هذا هو أنهم ساووا بين البيع والربا من حيث الحكم؛ فقالوا البيع فيه منفعة للطرفين، وكذلك الربا فيه منفعة للطرفين؛ فيكون الربا حلال كالبيع، فقاسوا الربا على البيع، وحكموا على الربا بالحل.
- قول الله -عز وجل-: (وأحل الله البيع وحرم الربا)
وهذا رد من الله -عز وجل-؛ فنفى الله -عز وجل- المماثلة بين البيع والربا بأنه -عز وجل- أحل البيع وحرم الربا، وذلك؛ لأن البيع فيه مصلحة تعم الجميع، وليس لأحد على حساب أحد، ولأحد دون أحد، أما الربا فيه مصلحة لطرف واحد على حساب الطرف الآخر، ففيه ضرر واحتكار على الطرف الآخر، وكذلك أيضا البيع فيه قضاء حوائج الناس، فالبيع والشراء أساس قضاء حوائج الناس، وهو مما تعم به البلوى، وهذا بخلاف الربا.
- قول الله -عز وجل-: (فمن جاءه... وأمره إلى الله)
أي من بلغه نهي ووعظ وتذكير من الله -عز وجل- عن الربا؛ فانتهى وأقلع عن ارتكاب الربا، فله ما مضى وتقدم من المعاملات التي فعلها قبل التحريم؛ فلا يؤاخذ بها وأمره إلى الله؛ أيّ أمره موكول إلى الله -عز وجل- إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه.
- قول الله -عز وجل-: (ومن عاد... هم فيها خالدون)
أي من عاد إلى التعامل بالربا وأكله بعد تحريم الله -عز وجل- للربا، وأصر على ارتكاب الربا، ولم يقلع عنه، فهو من أصحاب النار خالداً فيها.
الحكم الفقهي في هذه الآية الكريمة
حرم الله -عز وجل- الربا إلى يوم القيامة، وكذلك الربا حرام بنصوص السنة النبوية، وإجماع الأمة الإسلامية، وهو كبيرة من الكبائر، قال الله-عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وعن جابر، قال: (لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه)، وقال: (هم سواء).
ما ترشد إليه هذه الآية الكريمة
ترشد هذه الآية الكريمة إلى ما يأتي:
- إن الربا حرام والبيع حلال في الشريعة الإسلامية، وشتان ما بين الاثنين.
- توعد الله -عز وجل- بالنار لمن يأكل الربا، ويتعامل به.
- إن آكل الربا يُبعث يوم القيامة كالمصروع.
- إن العبد إذا تاب إلى الله -عز وجل-؛ فإن الله -عز وجل- يغفر ذنوبه السابقة.
- لا يوجد أدنى تشابه بين البيع والربا.