تفسير آية (وذا النون إذ ذهب مغاضبًا)
تفسير آية (وذا النون إذ ذهب مغاضبًا)
قال الله -تعالى- في سورة الأنبياء : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)؛ حيث إنّ ذا النّون المذكور في الآية الكريمة هو يونس -عليه السّلام- ، وذلك إن (ذا) من الأسماء الخمسة بمعنى صاحب، والنّون هو الحوت، فيكون معنى (ذا النّون) هو صاحب الحوت وهو سيدنا يونس -عليه السّلام-.
ويذكر الله -تعالى- في الآية الكريمة حال نبيّه يونس أنّه ذهب غاضباً؛ والظّاهر أنّه بعد أن دعا قومه إلى التوحيد وإلى عبادة الله فلم يستجيبوا له خرج من عند قومه معرضاً عنهم مغاضبًا لهم، ثمّ قال -تعالى-: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)؛ أيّ لن نعاقبه على ما صنع، ولن نضيّق عليه في بطن الحوت.
لكنّ سيدنا يونس عندما التقمّه الحوت اتّجه إلى ربّه داعيا في ظلمات ثلاث؛ هي ظلمة الليل وظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت ، وقال: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وفي دعائه هذا تضرّعًا وتوسّلًا إلى الله -تعالى- يطلب منه الإغاثة والنّصرة، ومعناه تنزيه الله عن النقص وإقرار بكماله، واعترافًا بظلم نفسه أمام الله، فاستجاب له ونجّاه من الحوت ومما كان يواجهه من الشدّة.
قصة سيدنا يونس عليه السلام
ذهب سيّدنا يونس -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله -تعالى- وحده دون سواه، ويقوّم حياتهم لتسير وفق شرع الله، فلم يستجب له قومه؛ فخرج من بين أظهرهم غاضبًا لما رآه منهم، وكان الأولى به وهو النبيّ الداعي إلى الحقّ أن يوطّن نفسه على تحمّل ما لقيه من معارضة، الذي يحتمل أنّها كان شديدةً، فظنّ أنّ الله -تعالى- لن يضيّق عليه.
وبعد أن ذهب عبد الله الصّالح ونبيّه الكريم يونس -عليه السّلام- مغاضبًا صعد على متن قارب، وبينما هو في البحر إذ الأمواج تتلاطم حتى تكاد تغرق السّفينة ومن عليها، فألقوا الأمتعة في البحر فبقي الموج هائجًا، فاقترعوا لينزل أحد من الرّكاب في البحر، فوقعت قرعتهم على سيّدنا يونس -عليه السّلام-، وأوحى الله تعالى إلى حوت فالتقمه.
ومكث سيّدنا يونس في بطن الحوت الذي لم يهشمه ولم يأكل لحمه، وصار يدعو ربّه: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فاستجاب لدعائه وألقاه الحوت ضعيفًا على الشاطئ، فرحمه الله -تعالى- بأن أنبت شجرة يقطين تغذّى من ثمارها واستظلّ بها حتى تحسّن، فأوحى له الله أن يعود إلى قومه الذين كانوا قد آمنوا وتابوا إليه.
فضل دعاء ذي النون
بيّن الله -تعالى- في سورة الأنبياء بعد أن أورد قصّة سيّدنا يونس -عليه السّلام- وكيف أنّه نجاه من الهمّ والتكدّر بعد أن دعاه: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، إن في ذلك بشارة للمؤمنين من وقع منهم في همّ وتكدّر أنّ الله سوف ينجيهم منها بإيمانهم كما نجّى سيّدنا يونس من بطن الحوت وكشف عنه الضر.
كما ورد عن سعد بن أبي وقّاص عن النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- في حديث رواه الترمذي وصحّحه الألباني أنّه قال: (دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له)، والظّاهر أنّ من دعا بهذا الحديث بخشوع استجاب له الله وقضى له حاجته ولا داعي لأن يذكرها.