تفسير آية (وأذّن في الناس بالحج)
التفسير الإجمالي لآية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)
إنّ معنى الآية باختصار هو: آمرك يا إبراهيم أن تنادي في الناس ب الحج ، داعياً لهم أن يقصدوا البيت الحرام الذي سبق لي أن بوّأت لك مكانه، فإن فعلت ذلك فسأضمن أن يصل صوتك، فيلبّون أمري الصادر عن طريقك، ويأتوا راجلين ماشين، وراكبين على كل بعير ضامر مهزول، مِن كل طريق بعيد.
التفسير التحليلي لآية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)
بدأت الآية الكريمة بالأمر الإلهي: (وَأَذِّنْ في الناس)، ويُقصَد بالتأذين: الإجازة، كآذنَ، والتأذين: "الإعلام والدعوة، والمؤذِّن: هو الداعي إلى الله تعالى". وبناء على هذا، فإن الأمر بالتأذين يحتمل معنيين:
- الإعلام: أي أعلِمِ الناس أنَّ لله عليهم الحج بالبيت، كقوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ).
- الدعوة: أي ادعُ الناس، ونادِهِم أنْ يحجوا البيت.
وفعل الأمر (أذِّن) يدل على أن فرض الحج على الناس ابتدأ من ذلك الوقت؛ "لأن الله تعالى أمر إبراهيم بدعاء الناس إلى الحج، وأمره كان على الوجوب"، والمقصود بقوله تعالى: (بِالْحَجِّ) أي: الأمر ب أداء الحج . أما المراد من قوله: (يَأْتُوكَ): يأتون الكعبة، لكن "لأن المنادي إبراهيم فمَن أتى الكعبة حاجاً فكأنما أتى إبراهيم؛ لأنه أجاب نداءه، وفيه تشريف إبراهيم".
ويريد بقوله (رِجَالًا) يمشون راجلين على أقدامهم لا يركبون أي نوع من المراكب، وليس المقصود جنس الرجال المقابل لجنس النساء؛ بل الراجلين مقابل الراكبين، كما ورد في آية أخرى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا).
والمراد بـ (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) أي الحيوان الذي يتم ركوبه "مِن فرس وناقة وغير ذلك، وإنما وصفه بالضمور؛ لأنه لا يصِلُ إلى البيت إلا بعد ضموره"، وكأنه يوجههم لاستخدام وسيلة ركوب "قليلة اللحم تتحمل مشاق السفر"، وسبب تأنيث (يَأْتِينَ) هو أنَّ مِن عادة الناس الحج عن طريق الجماعات والحملات مع الرفاق؛ فنادراً ما يحج الإنسان لوحده قاطعاً المسافات الشاسعة في البادية منفرداً.
ما ترشد إليه آية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
نستفيد من الآية الكريمة أموراً منها:
- إن بناء البيت الحرام على يد إبراهيم -عليه السلام- كان بأمر من الله تعالى؛ لإعلان الوحدانية لله سبحانه وتعالى، وتطهير بيته الحرام من مظاهر الكفر والبدع.
- الإعلام بفريضة الحج، وأن الحج كان مفروضاً منذ زمن إبراهيم عليه السلام، وأنتم خير خلف لملة إبراهيم الحنيفية الخالية من التحريف.
- نداء إبراهيم بالحج وإسماع صوته إلى الآفاق معجزة؛ فالله قادر على إيصال صوت إبراهيم إلى مَن يشاء في أي مكان.
- قوله: (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) وعدٌ بإجابة الناس إلى حج البيت ما بين راجلٍ وراكبٍ، كما يفيد جواز الحج مشياً أو ركوباً.