تفسير آية (إنني براء مما تعبدون)
تفسير آية (إنني براء مما تعبدون)
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ).،معنى براء: أصل البُرْءِ والبَرَاءِ والتَبَرِّي: التقصّي مما يكره مجاورته، ولذلك قيل: بَرَأْتُ من المرض وبَرِئْتُ من فلان وتَبَرَّأْتُ وأَبْرَأْتُهُ من كذا، وبَرَّأْتُهُ، ورجل بَرِيءٌ، وقوم بُرَآء وبَرِيئُون.
براءة إبراهيم ميله عن الشرك
لقد تقصَّى إبراهيم -عليه السلام - ما كان عليه آباؤه من عبادة غير الله -سبحانه-، ثم ذهب يتفكر في خلق السماوات والأرض، وكلما نظر في خلق من خلق الله بأن له فيه نقص فتبرأ من كل ذلك، ووجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مائلاً عن الشرك إلى التوحيد.
وبهذا جعله الله -سبحانه- إماماً للناس، وصارت ملة إبراهيم التي هي توحيد الله -عز وجل- والبراءة من الشرك ومما يُعبدُ من دون الله أسوة للناس إلى قيام الساعة.
الصدع بالحق في وجه الباطل
إنّ الله -عز وجل- جعل إبراهيم -عليه السلام- إماماً للناس، والآيتان تدلان على أن مما فعله إبراهيم -عليه السلام- التصريح والصدع بالبراءة من الشرك كله ومما يعبد من دون الله أياً كان، والتمسك بالتوحيد الخالص لله ربّ العالمين.
والدعوة إليه وأمر الناس بذلك كله طلباً للسلامة عند الله وتبييناً للسبيل الموصلة إلى النجاة والفوز في الآخرة، فالتوحيد يكتمل بترك الشرك والبراءة منه ومن أهله، وإعلام الناس بذلك والجهر به كما فعل إبراهيم -عليه السلام-.
الإيمان بالله عز وجل يقتضي البراءة من الشرك
لقد كان المشركون في أكثر الأمم يؤمنون بالله رباً ومدبراً للكون، (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)،ولكنهم كانوا يعبدون معه غيره، فأرسل الله -عز وجل- الرسل لدعوة الناس إلى إفراده بالعبادة دون سواه.
وليبيّنوا للناس أن الإيمان بالله مع صرف العبادة لغيره غير مُنجٍ عند الله -عز وجل-، فالنجاة لا تكون إلا بالإيمان بالله رباً وإفراده بالإلهية والعبادة، وهذا لا يتحقق إلا بالبراءة من الشرك والكفر بكل معبود غير الله.
إلا الذي فطرني
لقد تبرأ إبراهيم -عليه السلام- من معبودات قومه كلها ومن عبادتهم إياها، ومن العابدين أنفسهم كما بين الله -سبحانه- ذلك في قوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
وبهذا أتمَّ إبراهيم البراءة من الشرك والشركاء والمشركين، ثم استثنى المستحق للعبادة دون سواه وهو الذي فطره وخلقه ويرعاه فهذا الذي يستحق أن يعبد وأن يقصد وأن يطاع وأن تصرف له كل عبادات القلوب واللسان والجوارح، ذلكم الله ربكم خالق كل شيء وفاطر السماوات والأرض المستحق وحده أن يفرد بالعبادة.