تفسير آية (إن زلزلة الساعة شيء عظيم)
تفسير آية (إن زلزلة الساعة شيء عظيم)
ربنا الخلاق العظيمُ -سبحانه- وصف زلزلة يوم القيامة بأنها شيء عظيم؛ تخويفاً وترهيباً لعباده، وفيما يأتي بيان ذلك.
تفسيرها ما بعدها
لقد بين الله -سبحانه- سبب تعظيم تلك الزلزلة بالآية بعدها فاقرأ وتأمل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).
ولتستشعر هول تلك الساعة تأمل قوله -سبحانه- (مرضعة)، وإنما لم تكن (مرضع)؛ لأن العرب يستخدمونها بالتاء حال إلقام رضيعها ثديها، فالأم بكل ما عرفناه من تعلقها برضيعها وحنانها وعطفها عليه ورحمتها له؛ فإنها ستذهل عنه وتنساه متجاوزة كل صفات الأمومة، ومشاعرها تجاه رضيعها من هول الموقف وعظمته وشدته.
ومثل ذلك حال الحامل في وضع حملها من غير إتمامه؛ من شدة الخوف الذي يعلوها ويستحكم منها، وستغشى الناس حالة من السكر والهذيان تذهب بعقولهم وتطيح بتمييزهم، وتجعل كلاً منهم يرى الناس حوله سكارى وليسوا كذلك في الحقيقة، بل شدة عذاب الله -سبحانه- جعلت على أبصارهم وبصائرهم ما يحيل الناس في نظرهم سكارى.
ما يصيب الأرض من أهوال القيامة
من يتأمل بداية سورة الواقعة وسورة الزلزلة سيعلم ما سيحل بهذا الكوكب؛ لما في يوم القيامة من أهوال عظيمة تذهب بالعقول، وتطيش بالأذهان وتُفقدُ الحليمَ حلمه، قال -تعالى-: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ* خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ* إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا* فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا)، وقال -سبحانه-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا).
يوم تتبدل الأرض والسماوات
وليس الأمر مقتصراً على الأرض، بل هو متعدٍّ إلى السماء، وما تحويه من كواكب ستجعل كل ما فيه متحولاً متبدلاً لا يبقى على حاله المعهودة، فلا الشمس باقية على حالها ولا الكواكب مستقرة في مداراتها ولا السماء سالمة من التصدع والتشقق، قال -تعالى-: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ* وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ* وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ* وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ* وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ).
وقال -سبحانه-: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ* وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ* وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ* وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ)، وقال: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ* وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ* وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ* وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)، كل هذه الأهوال الكونية والتغيرات التي ستبدل الأرض غير الأرض، والسماوات غير السماوات كلها ستأتي فجأة بلا علم بميقاتها، ولا إنذار بوقوعها.
تعظيم وصف أهوال الساعة من أجل تحقيق التقوى
يريد الله -عز وجل- من عباده أن يكونوا من المتقين في الحياة الدنيا؛ ليسلموا من العذاب العظيم في الآخرة ، من أجل ذلك أنذرهم وحذرهم وبين لهم ما سيؤول إليه هذا العالم، وما هو المصير الذي سيلاقيه الناس جزاء أعمالهم وكسبهم في دار التكليف والعمل، اللهم اجعلنا من المتعظين المهتدين في الدنيا، ومن الناجين المفلحين في الآخرة.