تفسير آية (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة)
تفسير آية (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ)
لقد جاء القرآن الكريم هادياً للناس منيراً لهم سبل حياتهم ومخرجاً لهم من الظلمات إلى النور، وقائداً لهم إلى جنات النعيم يأخذ بأيديهم نحو كل خير ويبعدهم عن كل شر، وهو طريق السعادة في الدارين ؛ الدنيا والآخرة.
ولما كان القرآن الكريم له أهميته العظيمة كما بينا آنفاً فإن ارتباط الإنسان به هو الذي يعول عليه، ولذلك جعل الله تلاوة القرآن الكريم والتعلق به من أسمى وأجل العبادات وينال بها المسلم أعلى الدرجات، ولا يكتفى بالتلاوة الشفوية بل لا بد لها من فهم وتدبر وعمل بما جاءت به، يقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)،
حيث إن القرآن الكريم فيه بيان الأحكام العقدية والأحكام التشريعية والأحكام الأخلاقية، فهذه الأحكام الثلاثة هي مدار التشريع وعليها مدار العمل عند الإنسان، وبهذا تظهر أهمية و فضل تلاوة القرآن الكريم ، والعمل بما فيه؛ لما يحتويه من النفع العظيم والخير العميم.
المعنى العام لآية (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ)
يخبر الله -تعالى- في الآية الكريمة فضل المؤمنين الذين يقومون بهذه الأعمال الثلاثة: تلاوة القرآن الكريم حق التلاوة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، حيث إن من يقوم بهذه الأعمال الثلاثة إنما يقوم بها ليرجو ما عند الله من تجارة رابحة وهي الفوز بجنات النعيم يوم القيامة.
والدليل على أن التجارة الرابحة هي الفوز بالجنة قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ... يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وقد أخبر الله -تعالى- عن فضله بقوله: (تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)، لأن الإنسان مفطور على حب التجارة لأنها مظنة حصول المال الناتج عن التجارات، وقد خصص القول بأنها لن تبور أي لن تهلك، لأن أول ما يسأل عنه التاجر عند البحث في شان تجارة ما هو الأمن من الخسارة.
تأملات وفوائد في آية (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ)
بعد التأمل في الآية الكريمة يمكن القول بأنها حوت على فوائد جمة، ويمكن الاستفادة منها ببعض الفوائد القيمة على النحو التالي:
- العلم سبب لخشية الله وفعل الصالحات
ولذلك جاء ارتباط هذه الآية الكريمة بالآية التي قبلها: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، فمن امتلك العلم النافع أدى به هذا العلم إلى خشية الله التي تأمره بفعل الطاعات وترك المنكرات، ومن ذلك تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
- قدم الله -تعالى- تلاوة القرآن الكريم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
وذلك لأن القرآن الكريم يحتوي على الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها من الأمور الشاملة المتعلقة بأعمال المسلم، فمن تلا القرآن مر على الأمر بالصلاة والزكاة وغيرها، وليس المقصود هو تلاوة القرآن شفوياً فقط -مع عظيم فضله- ولكن المطلوب أعظم من ذلك وهو تدبر القرآن الكريم والعمل به.
- الإخبار عن أجر وجزاء هذه الأعمال الصالحة
قال -تعالى-: (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)، وقد عبر الله بالتجارة لميل النفوس إليها؛ لأنها وسيلة كسب المال الذي جبل على حبه جميع الناس.
- الإنفاق يكون بالسر والعلن
وذلك لفوائد هذين النوعين من الإنفاق مع أفضلية السر، فالإنفاق في العلن يحفظ على الإنسان كرامته ويزيده رفعة بين الناس وفيه إظهار لشعيرة من شعائر الله مما يستدعي حث الناس على فعلها وكل ذلك يكون بإخلاص النية لله -تعالى- في هذه الصدقة، وأما الإنفاق بالسر ففيه حفظ للعمل من الرياء وحفظ للمحتاج وستر له ومنع للإحراج.
- إن الأجر سيكون وافياً لا متساوياً مع ما قدمه العباد
وهذا من عظيم كرم الله -تعالى -على عباده؛ إذ إن الله لو حاسب الناس بعدله ما دخل أحد الجنة ولكنه سيحاسبهم بجزيل كرمه ومنه -سبحانه وتعالى-، بدليل كلمة (لِيُوَفِّيَهُمْ) والوفاء ليس كالمعادلة والمساواة، يقول الله -تعالى-: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
- ختم الله -تعالى- الآية الكريمة التي بعدها باسمين من أسماء الله الحسنى
وهي غفور وشكور، يقول -تعالى-: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)، فقد ناسب اسم الله الغفور مغفرة ذنوب هؤلاء الكرام من المؤمنين لأنهم يستحقون المغفرة، وناسب اسم الله الشكور عظيم كرم الله بعد المغفرة بأن يشكر عباده بما فعلوا شكراً يليق بعظيم كرم الله.