تفسير آية (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)
نص الآية
قال -تعالى- في سورة البقرة : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
بيان مفردات الآية
فيما يأتي بيان معاني المفردات الواردة في الآية الكريمة، وهي:
- البر: أي الإيمان ب نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- تنسون أنفسكم: أي لا تفعلون ما تأمرون به غيركم.
- الكتاب: أي التوراة.
سبب نزول الآية
ورد في سبب نزول هذه الآية أنّها نزلت في اليهود من أهل المدينة المنورة، حيث كان أحدهم إذا سأله مسلمٌ من أقربائه عن أمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وعما جاء به من دينٍ؛ أمره أن يتبعه ويطيعه وأن يَثبُتَ على ذلك؛ لأنّه حقٌ، أما هو فلا يطبقُ هذا الكلام ولا يفعل ما أمر به غيره، فلا يتبع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ولا يدخل في دين الإسلام.
المعنى الإجمالي للآية
تتحدثُ هذه الآية الكريمة عن خصلةٍ سيئةٍ من خصال اليهود ، وهي مخالفةُ القولِ للعمل، فهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً غيره، فأعمالهم تُخالف أقوالهم، وخصوصاً الأحبار والرهبان منهم، الذين يقرؤون التوراة ويعرفون ما فيها من أمر الله -تعالى- بوجوب اتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث أنهم كانوا يأمرون الناس باتباعه والإيمان به والثبات على دينه، ومع ذلك يخالفون هذا الأمر ولا يفعلونه، وهذا ممّا يثير التعجب والاستغراب، فالذي ينصح الناس ويدلهم على الخير ينبغي أن يكون قدوةً لهم في ذلك، فلا يستقيمُ أن يخالفَ ما يقول، وأن لا يأتمرَ بما يأمرُ به غيره من خيرٍ أو هدىً أو عملٍ صالح، فالعاقل لا يفعلُ ذلك أبداً.
وقد جاء الخطاب في هذه الآية موجهاً إلى اليهود بأسلوب التوبيخ والتقريع والذم، وهذا الخطاب ليس خاصاً لليهود فقط حتى وإن نزل من أجلهم، بل إنّه عامٌّ في كلّ من يفعل مثل ما فعلوا، وكلّ من يتّصف بهذه الصفة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد قال -تعالى- في سورةٍ الصف مخاطباً المؤمنين ومحذراً لهم من أن تُخالفَ أقوالُهم أعمالَهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
وقد بيّن الله -تعالى- بعد هذه الآية طريقة العلاج من هذا الداء الخطير؛ وذلك من خلال الاستعانة بالصبر والصلاة ، فإنّ في ذلك تهذيباً للنفس وتربيةً لها، وقهراً للشيطان ورداً لكيده، ولا بدَّ أن تكونَ الصلاةُ بخشوعٍ وحضورِ قلبٍ؛ حتى تؤتيَ ثمارها وتنفعَ صاحبها، فالصلاةُ بلا خشوعٍ ثقيلةٌ على الإنسان في الأداء، وبريئةٌ منه في الأجر، ومن أسباب الخشوع استحضارُ الوقوف بين يدي الله -تعالى- للحساب يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).