تعريف سورة الفتح
سورة الفتح
تُعدّ سورة الفتح من السور المدنية؛ إذ إنّها نزلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما رجع مع أصحابه من الحديبية، وقد بلغ عدد آياتها تسعاً وعشرين آية، أمّا كلماتها فبلغت خمسمئةٍ وثلاثين كلمة، وحروفها ألفين وأربعمئةٍ وثمانٍ وثلاثين حرفاً، وكان نزول سورة الفتح قبل نزول سورة التوبة وبعد نزول سورة الصف، أمّا موضع نزولها فكان في المنطقة الواقعة بين مكة والمدينة والتي يُطلق عليها كُراع الغميم، وتقع سورة الفتح في الترتيب الثامن والأربعين في المصحف العثماني.
سبب تسمية سورة الفتح
سمّيت سورة الفتح بهذا الاسم لِما تضمّنته من ذكر الفتح الذي تحقّق للنبي -عليه الصلاة والسلام- والمسلمين بعد الذي اعتراهم يوم الحديبية من منع المشركين لهم من أداء المناسك، وقد وردت تسمية سورة الفتح على لسان الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُعرف لها اسمٌ آخرٌ، وتعدّدت الروايات والأحاديث التي ورد فيها ذكر سورة الفتح، منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أنّه قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ علَى ناقَتِهِ، وهو يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ، وقالَ: لَوْلا أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كما رَجَّعَ).
سبب نزول سورة الفتح
كان سبب نزول سورة الفتح؛ صلح الحديبية وما جرى فيه من الأحداث، فعن مروان بن الحكم والمسور بن خرمة قالا: "نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا"، وفيما يأتي بيان أسباب نزول بعض آيات سورة الفتح:
- قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: عندما منع المشركون النبيّ وأصحابه من أداء مناسك العمرة؛ أصابهم الحزن والضيق الشديد، فنزلت آية: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)، فكانت من أحبّ الآيات إلى قلب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقيل إنّ اليهود استهزؤوا من النبيّ والمسلمين ذات يوم، فاشتدّ ذلك عليهم، فنزلت الآية.
- قال الله -تعالى-: (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّـهِ فَوْزًا عَظِيمًا)، ونزلت هذا الآية بعد الآية التي سبقتها، حيث أخبر الله فيها مغفرته للنبي، فقال له الصحابة: "هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، فَمَا لَنَا"؟ فنزلت الآية.
- قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)، وقد نزلت هذه الآية عندما جاء 80 رجلاً -وقيل 30- من المشركين عند الشجرة في الحديبية يريدون المكر والكيد للمسلمين، لكنّ الصحابة أمسكوا بهم ثم أطلق النبيّ سراحهم، فنزلت الآية.
فضل سورة الفتح
تعدّ سورة الفتح من المثاني التي أُوتيها النبي عليه الصلاة والسلام، إذ قال: (أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ)، كما أنّ سورة الفتح من أحبّ السور إلى قلب النبي؛ فقد وصف نزولها عليه بأنّها أحبّ إليه من الدنيا وما فيها، فقد رُوي عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب أنّه قال: (قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نزَلَتْ عليَّ البارِحَةَ سورةٌ هي أحَبُّ إليَّ منَ الدنيا وما فيها، إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ).
كما كانت بعض آيات سورة الفتح سبباً في إدخال السرور إلى قلوب المسلمين كما أدخلت آياتها السرور إلى قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فحينما نزل قوله تعالى: (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)، تساءل المسلمون عن نصيبهم من السورة فنزل قوله تعالى: (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا).
مقاصد سورة الفتح ودلالاتها
تضمّنت سورة الفتح العديد من المقاصد والدلالات والدروس والعِبر، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:
- بدأت السورة الكريمة بذكر الفتح المبين والتأييد العظيم الذي منّ به الله -تعالى- على رسوله وعلى المؤمنين.
- بيان حُسن العاقبة التي ظفر بها المسلمون بصلح الحديبية، فقد أزال الله الحزن من قلوب المؤمنين الذي أصابهم بسبب عدم أداء العمرة ومنحهم في المقابل السكينة والطمأنينة.
- التأكيد على أنّ تحقيق الإيمان في قلوب الناس وانتشار الخير والطاعات وتعظيم الله -تعالى- كانت نتيجةٌ من نتائج بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.
- التأكيد على كرامة النبي ومكانته عند الله؛ فقد بشّره الله بفتوحاتٍ كثيرةٍ تعقب صلح الحديبية.
- التأكيد على حقيقة البيعة التي حصلت يوم الحديبية، وبيان أنّها مبايعةٌ لله على القتال والاستشهاد في سبيله، وقد أيّد الله تلك البيعة بنصره وتمكينه للمسلمين.
- بيان صفات المنافقين المتخلّفين عن المشاركة في صلح الحديبية، ومن تلك الصفات: سوء ظنّهم بالله، وجُبنِهم.
- ذكر أصحاب الأعذار الذين يُباح لهم ترك القتال والتخلّف عنه، وبيان رفع الحرج والإثم عنهم.
- الثناء على المؤمنين الذين بايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكر صفات النبي والذين آمنوا معه، وبيان أنّ تلك الصفات مذكورةٌ في التوارة والإنجيل من قبل، وذكر ما أعدّه الله من الأجر العظيم والثواب الحسن لمن آمن منهم وعمل الصالحات.
ما يستفاد من سورة الفتح
يُستفاد من سورة الفتح العديد من الدروس والعبر، أهمّها ما يأتي:
- عوض الله يكون عظيماً بعد الصبر وانتظار الفرج، فقد حزن المؤمنون في البداية بسبب منعهم من أداء المناسك، لكنّ العوض كان عظيماً، وهو النصر وفتح مكة.
- اتّباع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ونصرته، ونصرة دينه، والحذر من المنافقين.
- التراحم والتناصح بين المسلمين، والشدّة على الأعداء، فهي من أهم أسباب وحدة صف المؤمنين.
- الثقة بنصر الله -تعالى- لعباده المؤمنين.
- تسليم وتفويض الأمر لله -تعالى- بعد الأخذ بالأسباب، فالله -سبحانه- يعلم أين تكون الخيرة لعباده.
ملخّص المقال: سورة الفتح سورة مدنية، نزلت عندما رجع رسول الله مع صحابته من العمرة، إذ إنّ المشركين منعوهم من أداء المناسك، فاشتدّ ذلك عليهم، فنزلت السورة تخفيفاً عنهم ومواساة لهم، وسُمّيت السورة بذلك بسبب الفتح الذ منّ الله به على المسلمين بعد صلح الحديبية ومَنْعِهم من العمرة، وهي من أحبّ السور إلى قلب النبي، وقد تحدّثت السورة الكريمة عن الفتح وأحداثه، وجبر قلب النبيّ وأصحابه به، والثناء على من حضر بيعة الرضوان.