تعريف حوار الأديان
المفهوم العام لحوار الأديان
حوار الأديان مصطلحٌ معاصرٌ، ولكن له امتداد تاريخيّ منذ صدر الإسلام، فقد حاور النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهود والنصارى ، وحاور قبلهم مشركي قريش، يقصد بكلّ ذلك الوصول معهم إلى كلمةٍ سواء، قال -تعالى-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
تعريف حوار الأديان لغة واصطلاحاً
يُعرّف حوار الأديان في اللغة والاصطلاح بما يأتي:
- مفهوم الحوار لغةً
أي المجادلة، والمراجعة في الكلام، والتجاوب بين الأطراف، والكلام المتبادل بين الأشخاص، وعند إضافته للأديان يُصبح بمعنى المناقشة والجدال والكلام بين أتباع هذه الأديان ، ولا يختلف مفهوم الحوار اصطلاحاً عن مفهومه لغة، إذ يتضمن معنى تبادل الكلام حول قضية بهدف الوصول إلى التوافق والتفاهم.
- مفهوم حوار الأديان اصطلاحاً: تعدّدت تعريفات أهل الاختصاص لمفهوم حوار الأديان، ومن هذه التعريفات ما يأتي:
- هو حوار جماعي بين أطراف متعدّدة الهويات الدينية بقصد الوصول إلى التفاهم الذي يسمح لهم ب العيش مع بعضهم رغم وجود الخلافات.
- هو تبادل الأفكار والحقائق بين المتحاوِرَيْن اللذيْن يتبع كلّ واحد منهما ديناً غير الآخر، ويكون النقاش بشكلٍ موضوعي مع احتفاظ كل واحد منهم بمعتقداته في جوّ يتّسم بالاحترام المتبادل، وذلك بقصد الوصول إلى التفاهم فيما قد يقع فيه الاتفاق.
- هي لقاءات منظّمة تتولّى أمر عقدها المنظّمات الدولية ومراكز الحوار العالمية بين ممثّلي الأديان والمذاهب، ويكون الحوار فيها وفق رؤية واضحة الأهداف والرسالة، ومحدّدة الأساليب.
وهنا يجدر التنويه إلى أنّ حوار الأديان لا يعني وحدة هذه الأديان وصهرها في دين جديد يجمع بين المتناقضات؛ الإيمان والكفر، والتوحيد والوثينة، فهذا ليس من المنهج الرباني في شيء، والإسلام بريء من ذلك، وإنّما يكون هدف الحوار في كلّ ذلك هو: بيان الحق وإحقاقه، وهداية الناس لعبادة الله وحده، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
موقف الإسلام من حوار الأديان
سنّة الاختلاف بين الناس
اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الناس مختلفين؛ تتمايز أفهامهم، وتتعدد آراؤهم، وتتنوع معارفهم، وتختلف عقائدهم، وهذا الاختلاف بين البشر سنّة كونية، وحقيقة فطر الله تعالى- الناس عليها، وهو كذلك قضاء إلهي مرتبط بالابتلاء والتكليف الذي تقوم عليه مُهمّة خلافة الإنسان في الأرض، يقول -تعالى-: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
لكن الإسلام وهو -شريعة الله الخاتمة للرسالات السماوية- أراد لهذا التنوع والاختلاف أنْ ينحى منحىً إيجابياً، وأن يلتقي الناس نحو المشترك بينهم فيما يقتضيه سليم العقل، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
الأصل الشرعي لجواز حوار الأديان
إنّ الحوار مع الأقوام الأخرى غير المسلمة أمرٌ مشروعٌ إذا كان بقصد دعوتهم للإيمان والتوحيد، وبيان الحقّ والرشاد، فهو بهذا المفهوم جزء من دعوة المسلمين إلى الله، ويدلّ على ذلك:
- قوله -سبحانه-: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
- قوله -تعالى-: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
- قوله -تعالى-: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وحوار الأديان بمنهجه الصحيح مطلبٌ مهمٌ وهادف من أجل توضيح الصورة الصحيحة للإسلام وعقيدته وأحكامه، ونجد أنّ الأنبياء -عليهم السلام- قاموا به مع أقوامهم ب وسائل وأساليب دعوية كثيرة، ذلك لأنّ أقوامهم كانوا على أديان مختلفة، وكل الأدلة القرآنية والنبوية تدلّ على بيان الأنبياء للحق ودعوة أقوامهم إليه، لا التقرب من أديانهم والوحدة معهم.
ويجدر التنويه إلى ضرورة مجادلة الأقوام غير المسلمة على بصيرة وعلم، فإن كان هذا المؤهل غير موجود فلا يُشرع مجادلتهم، يقول السّعدي: "ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن،... وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق".