تعريف المرونة
المرونة
تأتي المُرونة (بالإنجليزية: Elasticity) في اللغة من مصدر الفعل مَرَنَ، وتُعرّف في علم الفيزياء بأنّها مقدرة الأجسام على التأثير في شكلها وحجمها بعد أن يزول سبب التغيير، كما تُعرّف بأنّها قابلية الأجسام للانثناء سواء كانت معدناً، أو خشباً ، أو أعضاء الجسم، أمّا مرونة الجسم فهي ما يدل على رشاقته وحركته الخفيفة، في حين أنّ مرونة الطبع تُعبر عن الدماثة والسهولة في التعامل، ويمكن تعريف المرونة بأنها مقياس استجابة قيمة لتغيّر نسبي في قيمة أخرى أو استجابة أحد العوامل للتغيّرات في عامل آخر.
وتعرّف المرونة أيضاً بأنّها قدرة نظام معين على التكيّف والاستجابة لتحديات معينة مثل قدرة المجتمع على توقع التحديات التي سوف يتعرض لها، ومن ثم التكيّف معها بنجاح، ومع تزايد الضغوطات في المجتمع سواء كانت من الناحية الاجتماعية أو من الناحية المادية أو غيرها من الأمور الحياتية، فقد أصبحت المرونة أمراً لازماً لا مفر منه، بالنسبة للفرد او المجتمع على حد سواء، كما بدأت المؤسسات والمنظمات تنادي بأهمية المرونة للتعامل مع الأوضاع المستجدّة، ويشمل مصطلح المرونة العديد من الجوانب، فهناك المرونة العقلية، وهناك المرونة النفسية ، والمرونة فيما يتعلق باللياقة البدنيّة ، وغيرها.
المرونة النفسية
تُعتبر المرونة النفسية فرعاً من فروع علم النفس المعاصر، وتعكس تفاعل المرء الإيجابي مع ما يتعرض له من متاعب وصدمات في حياته، وتشمل المرونة النفسية التعامل مع بُعدين يتمثل أحدهما في حالة الخطر أو الصعوبات وتعرض الفرد لتهديد معين، فيما يتمثل الآخر بالتكيّف ومواجهة الحادث بطريقة إيجابية بالرغم مما قد تحدثه من تأثيرات سلبية على نفسيته، ومن الجدير بالذكر أنّ علماء النفس لا يتعاملون مع المرونة النفسيّة على أنّها سلوك فردي وطابع يميزه بل كعمليّة يمكن تعديلها، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأشخاص ذوي المرونة النفسية يتعاملون مع الضغوطات باعتبارها تحديات تستحق اكتسابها والتعلم منها.
يتمتع الأشخاص ذوو المرونة النفسية بالعديد من الصفات، ومنها ما يلي:
- تقبل النقد والتعلم من الأخطاء: إذ يمتلكون قدرة على التعلم من أخطائهم، ويسمعون نصائح غيرهم وملاحظاتهم، ويحققون الفائدة من جميع الانتقادات أياً كان مصدرها، لما يدركونه من أنّ الإنسان بطبعة خطّاء وقد يخطئ دون أن يعلم.
- اتخاذ القرار المناسب: وذلك نتيجة لشعورهم بالمسؤولية التي تدفعهم لدراسة المواقف جيداً، ومن ثم اتخاذ القرار الملائم دون أي تردد.
- روح الدعابة: إذ يتميزون بشخصيّة قادرة على نشر الفرح وإدخال السعادة إلى نفوس المحيطين من حولهم مما يضفي بُعداً إيجابياً على حياتهم.
- الاستقلال: فهم يتكيفون من أنفسهم ويعرفون ما لهم وما عليهم، ويوازنون بين ذاتهم والأفراد المحيطين بهم، والجدير بالذكر أنهم لا يتساهلون في قرارهم في مواجهة الأحداث.
- تكوين العلاقات: لما لديهم من قدرة على التعامل الاجتماعي والعقلي والنفسي من المحيطين بهم، وتكوين العلاقات الصحيحة والسليمة.
- التسامح: وذلك لقدرة المرونة النفسية على منح أصحابها كلاً من ترك المكابرة والإصرار على الخطأ، وجعلهم أكثر قدرة على الاعتذار عن أخطائهم.
المرونة العقلية
تعددت تعريفات المرونة العقلية إلّا أنه يمكن إجمال هذه التعريفات بأنّها قدرة المرء على خلق الأفكار الجديدة وغير التقليدية، وهي ما تعبر عن سلاسة أفكاره وقدرته على تغييرها بما يُلائم المواقف المختلفة التي يواجهها أو المواقف الطارئة، كما أنّها مدى استيعاب الأفراد للأفكار الجديدة وفقاً للظروف المتغيرة ووجهات النظر المتعددة، وتُعدّ المرونة العقلية أساس عملية الابتكار، فمن يمتلكها يمتلك تنوعاً كبيراً في الرؤى والتطلعات، وهو قادر على إعادة بناء الحقائق من جديد بما يتناسب مع الظروف المستجدة، ويعتبر الإنسان صاحب المرونة العقلية والمبتكر هو الشخص القادرة على مقاومة عملية البقاء ضمن الأطُر التقليدية في التفكير وحل المشكلات المختلفة.
أقسام المرونة العقلية
تُقسم المرونة العقلية إلى قسمين أساسين هما:
- المرونة التكيفية: وهي قدرة المرء على تغيير طريقة تفكيره في مواجهته للمشكلات وحلّها، ويكون ذلك من خلال الخروج من إطار التفكير التقليدي أو التقيد بإطار محدد في التفكير والبعد عن التصلب العقلي ، كما تُعبر عن قدرة الفرد على التحليل والتركيب في مواجهته لأمور حياته اليومية بطريقة مرنة ومبتكرة، ويمكن القول إنّ المرونة التكيفية تشتمل على تغيير الفرد لرؤيته عند مواجهة مستجدات حول المشكلة التي يود حلّها في محاولة للوصول إلى حل لها.
- المرونة التلقائية: وهي قدرة المرء على الانتقال من فكرة لأخرى متعلقة بمشكلة ما تواجهه بشكل تلقائي ودون التقيد بإطار معين في التفكير، وهي المقدرة على خلق أكبر عدد من الأفكار غير التقليدية اتجاه موقف ما وفي وقت قصير، ويمكن قياس المرونة التلقائية بمدى السرعة في الانتقال بين الأفكار وإنتاجها تبعاً لاستعداد المرء الانفعالي والعقلي إزاء الموقف.
أهمية المرونة العقلية
للمرونة العقلية أهمية كبيرة في التعلم وإنجاز الأهداف وسواء كان ذلك على المستوى المهني أو الأكاديمي، وتتجلى أهميتها في أنّها:
- تشير إلى مدى سهولة تغير المرء لتوجهاته الذهنية إذا ما حدثت أي مستجدات إزاء موقف ما، ومدى إسهام ذلك في حل المشكلات بإيجابية.
- تساهم في مساعدة المتعلمين على تنظيم عملية الحصول على المعرفة والإجراءات التابعة لها إذا ما تم تنفيذها في عملية التعليم الحديث، كما أنها تساعد المتعلم على توظيف ما تعلمه في حل المشكلات المختلفة.
- تساهم في تنوع أفكار المرء وجعله يخرج عن إطار التفكير التقليدي في خلق أفكاره.
- تُعّد واحدة من ضروريات الإبداع الضروري في إنجاز المهام بنجاح.
- تمنح القدرة على مواجهة المشكلات بسلاسة وتلقائية وبطرق غير تقليدية.
المرونة في اللياقة البدنية
تعرف المرونة في اللياقة البدنية بأنها قدرة مفاصل الجسم على الحركة بسهولة وإلى مدى بعيد، وتشكل مرونة الجسم مع صفات الجسم الأخرى كالرشاقة، والسرعة وقوة العضلات عاملاً رئيسياً وركيزة من ركائز إتقان الجسم للحركة، وتساعد المرونة على تطوير بعض الصفات الخاصة بشخصية المرء كالشجاعة، والثقة بالنفس، وترتكز المرونة على الإمكانيات الفسيولوجية التشريحية والتي تعتمد على قدرة الأوتار والأربطة على الاستطالة، حيث إن العديد من مفاصل جسم الإنسان تمنح المرء القدرة على الحركة بمرونة بما يتلاءم مع التكوين التشريحي الخاص بها من خلال الأربطة الرابطة بين المفاصل.
أما عن تنمية مرونة الجسم فتتم من خلال التدريب الصحيح والمنظم والذي من شأنه أن يزيد من قدرة الأربطة والأوتار على الاستطالة، وبالتالي سهولة حركة مفاصل الجسم وزيادة مرونته، وتُقسم المرونة إلى مرونة إيجابية ومرونة سلبية، أما المرونة الإيجابية فهي التي ترتبط بقدرة الفرد على تحقيق سهولة كبيرة المدى في حركته نتيجة لنشاط مجموعة من العضلات، مثل مرجحة الشخص إلى الأمام وعالياً، في حين أن المرونة السلبية ترتبط بقدرة المرء على تحقيق أقصى حد من الحركة بسبب تأثير قوى خارجية مثل القيام بأداء بعض من التمرينات باستعمال حائط أو بمساعدة من أحد وعادة ما تكون درجة المرونة السلبية أكبر من المرونة الإيجابية.
كما يمكن تقسيم المرونة إلى قسمين هما المرونة العامة أو الشاملة، والمرونة الخاصة، أما المرونة العامة فهي التي تشتمل على حركة جميع مفاصل الجسم بسهولة ويسر، في حين أن المرونة الخاصة تقتصر على أنشطة رياضية معينة، مثل المرونة المتعلقة بالجمباز، أو المرونة الخاصة لمتسابقي الحواجز.
المرونة في الشريعة الإسلامية
تُعّد المرونة خاصيّة من خصائص الشريعة الإسلامية ، وهي ليست موجودة في مجال واحد فقط، وإنما في العديد من الأساليب، والجزئيات، والفروع والأمور المتغيرة، وترتكز على أمور ثابتة، وقد ذكر الله في كتابه العزيز العديد من الآيات التي تؤكد أهميّة المرونة، والتي تُعرف بالشريعة الإسلامية على أنّها تقبّل المرء لآراء الآخرين وعدم فرض رأيه على أحد، كما يجب ألا يقتصر الوعي على التعصب لجانب واحد من الحق وإنما القدرة على التكيّف والانفتاح، فمثلاً في حال اختلاف العلماء الموثوقين حول قضية ما، فلا يصح أخذ رأي واحد منهم وفرضه على الناس، ويمكن للناس أخذ ما ينفعهم من هذه الآراء دون حدوث مشادات ومجادلات بينهم.
ويمكن للمتأمل في أحوال الأمم السابقة أن يعي أن أحد أسباب زوالهم؛ يعود إلى الثبات المطلق أو الحركة المرنة المطلقة، إلّا أن الشريعة الإسلامية تميّزت بجمعها بين الثبات والمرونة المطلقة الأمر الذي جعلها خالدة وثابتة أمام التطورات المختلفة على مرور الأزمان، وشكّلت الحد الذي يفصل بين الثبات الواصل لدرجة الجمود أو الثبات المطلق، والحركة المطلقة التي تجعل الشيء يخرج عن الحدود الضابطة له.
وهناك العديد من العوامل التي تجعل من الشريعة الإسلامية مرنة ويسرة ومن هذه العوامل ما يلي:
- ربانية المصدر: وذلك يعني أنّها مشروعة من الله سبحانه وتعالى، وقد ألزم الله سبحانه وتعالى بها العباد بتشريعات ثابتة، وكلفهم بأمور محددة، وقد أوسع عليهم في طريقة تنفيذ الأمور المطلوبة منهم رحمة ورأفة بهم، كما نهاهم عن أمور ووضع العقوبات الرادعة لمن يقوم بها، وقد ذكر الله حدوداً في كتابه الكريم يجب عدم تجاوزها، ومن يُسر الشريعة ومرونتها أن هناك أموراً سكت الله سبحانه وتعالى عنها وبذلك لم يذكر لها عقاباً، فهي تعتبر مباحة ولا حرج في فعلها، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا العامل يُعدّ من أهم العوامل التي تساهم في جعل الشريعة الإسلامية مرنة.
- تنوع مصادرها: إذ إنّها ليست محصورة في نصوص محددة، مما يجعل الشريعة قادرة على مواكبة التطور ومواجهة الأمور المستجدة، وتمتعها بالسلاسة من خلال عملية استنباط الأحكام الشرعية المناسبة لما يحدث من تطورات في حياة الناس، حيث يُعّد القرآن والسنة مصدرين أساسيين، ثم يأتي القياس، والاستصلاح، والاستحسان، والعُرف، وسد الذرائع وغيرها من المصادر التي يكون الاجتهاد أساسها.
- احتواؤها على أحكام شرعيّة على هيئة مبادئ عامة: ترتبط بجوانب الحياة والمعيشة، على عكس الأحكام التي وردت بجانب العقيدة والعبادات والتي اتصفت بثباتها وخصوصيتها، فلا يصح للعقل أن يجتهد بها، أما أحكام الحياة والبيئة وغيرها من أمور المعيشة السياسة والاقتصاد، فقد جاءت على هيئة مبادئ كلية مرنة تتغير بما يناسب ظروف الناس وطرق معيشتهم ولا تخالف مقاصد الشريعة في الوقت ذاته.