تعريف الحديث القدسي
الحديث
لقد عُنِي العلماء بالحديث الشريف عنايةً فائقة، وأولوه اهتماماً يليق بالشريعة الإسلامية؛ هذه الشريعة ربانية المصدر، فرتّبوا، وجمّعوا، وفصّلوا في سبيل خدمة الحديث الشريف، وفي سبيل حماية الحديث، وبالتالي حماية الشريعة والدين من الهجمات الكثيرة والمتعددة من أعداء الإسلام الذين ما انفكوا يحاولون النيل من الإسلام، فالإساءة للحديث له طرق عديدة، منها ما يكون من خلال محاولة إدخال الكثير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن هيهات هيهات، فلقد هيّأ الله لهذا الدين وسخّر له من يخدمه بإذن الله، فاعتنى العلماء بالحديث سنداً ومتناً، وظهرت عدة علوم مثل علم الجرح والتعديل، وعلم الناسخ والمنسوخ، وغيرها من العلوم التي كان لها طيب الأثر في خدمة الحديث، وتصنيفه، وتمييز الصحيح من الحسن من الضعيف من الموضوع المكذوب.
تعريف الحديث القدسي
الحديث القدسي هو ما رواه النّبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه عزّ وجل، ويُسمّى أيضاً بالحديث الربّاني والحديث الإلهي، ويحتلّ الحديث القدسي مرتبة متوسطة بين القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنى، والحديث النبوي كلام نبي الله محمد -عليه الصلاة والسلام- لفظاً ومعنى، أمّا الحديث القدسي فهو معنى من عند الله ولفظ من عند الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
كلام الله تعالى ثلاثة أقسام
الكلام الذي يُضاف ويُنسب إلى الله سبحانه وتعالى يُقسم إلى ثلاثة أقسام على النحو الآتي:
- القسم الأول: القرآن الكريم، فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو أشرف ما أضيف إلى الله تعالى وأشرف ما نُسب إليه سبحانه من كلام؛ لتميُّزه بالإعجاز، وتميّزه بمجموعةٍ من الميزات يأتي بيانه في موضعها.
- القسم الثاني: الكتب المقدّسة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على أنبيائه عند بعثهم إلى أقوامهم، قبل أن تمتدّ إليها أيدي المجرمين بالتحريف والتبديل.
- القسم الثالث: الأحاديث القدسية التي نُقلت للمسلمين آحاداً مع إسنادها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
الفرق بين الحديث القدسي والقرآن
القرآن كلام الله، والحديث القدسي كلام الله كذلك، ويتلخّص الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي في الفروق الآتية:
- القرآن الكريم لفظاً ومعنى من عند الله سبحانه وتعالى، أمّا الحديث القدسي فمعناه من عند الله ولفظه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام.
- القرآن الكريم مُتعبد بتلاوته، أمّا الحديث القدسي فلا يُتعبّد بتلاوته.
- القرآن الكريم يُشترط فيه أن يكون متواتراً ، أمّا الحديث القدسي فلا يُشترط فيه التواتر.
تنبيهات هامّة حول الحديث القدسي
هناك تنبيهات هامّة ينبغي التنبه لها ومعرفتها حول الحديث القدسي ، وهي على النحو الآتي:
- في الحديث القدسي قد تأتي صيغة الإضافة للحديث القدسي في روايته غير صريحة، ومثال ذلك: ما رُوي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربّه: (إنَّ المؤمنَ عندي بمنزلةِ كلِّ خيرٍ يحمدُني وأنا أنزِعُ نفسَهُ من بينِ جنبيهِ)
- بما أنّ الحديث القدسي بل الأحاديث القدسية منقولةٌ بطريقة الآحاد ، فإنّه يعتري الأحاديث القدسية ما يعتري سائر أحاديث الآحاد وألفاظها من أداء بعض ألفاظها بالمعنى، أو ربما يكون هناك اختلافاً يسيراً في اللفظ، بل ربما مع زيادة بعض الرواة على غيرهم من الرواة في لفظ الحديث القدسي، وليس ذلك بالكثير ولكنّه موجود رغم عدم كثرته، بل وندرته.
- يغلب على صفة الأحاديث القدسية ومواضيعها التذكير والموعظة ، ولا تتعلق بإثبات الأحكام، وإن دلّ الحديث القدسي على الحُكُم.
- الأحاديث القدسية الصحيحةُ نادرة وليست كثيرة، وصُنِّف في جمع الأحاديث القدسية مُصنَّفات اشتملت على ذكر الصحيح منها، والضعيف من جهة الإسناد، ومن الجدير بالذكر أنّه كونها في أغلبها من باب المواعظ؛ فقد كَثُر فيها من الأحاديث الواهي والموضوع.
أقسام الحديث من حيث قائله
قسّم علماء الحديث ونظروا للحديث من حيث التنويع والتقسيم إلى عدة تقسيمات، وهذه التقسيمات تنوّعت تبعاً لتنوُّع اعتبارات التقسيم، وإحدى هذه الاعتبارات النظر إلى تقسيم الحديث الشريف من حيث قائله، وبناءً على ذلك؛ فقد قسموا الحديث من حيث قائله إلى أربعة أقسام على النحو الآتي:
- الحديث القدسي: وهو ما نُقِلَ إلى المسلمين عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مع إسناده للحديث إلى الله جلّ وعلا.
- الحديث المرفوع: وهو ما أضافه الراوي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من أقوال، أو أفعال، أو تقريرات، أو صفات.
- الحديث الموقوف: وهو ما أضافه الراوي إلى أحد الصحابة من أقوال، أو أفعال، أو تقارير، أو صفات؛ بمعنى أنّ الحديث الموقوف هو القول أو الفعل أو التقريرات أو الصفات التي تصدر عن الصحابة وليست صادرةٌ عن النبي عليه الصلاة والسلام.
- الحديث المقطوع: وهو ما أضافه الراوي إلى التابعي من أقوال، أو أفعال، أو تقارير، أو صفات، ويسمّيه علماء الحديث كذلك الأثر.
تقسيم الحديث باعتبار وصوله للمسلمين
الحديث باعتبار وصوله وصوله للمسلمين ينقسم إلى قسمين رئيسيين هما: الحديث المتواتر ، وحديث الآحاد، وبيانهما فيما يلي:
- الحديث المتواتر: هو ما رواه عدد كثير أو جمعٌ كثيرٌ من الرواة يستحيل في العادة تواطؤهم واتّفاقهم على الكذب، ولا بدّ من وجود هذه الكثرة مع استحالة تواطؤهم على الكذب في جميع طبقات الرواة، وهذا النوع من الحديث مقبول كلّه، ولا حاجة للبحث عن رواته.
- حديث الآحاد: هو الحديث الذي لم يجمع شروط الحديث المتواتر، وينقسم حديث الآحاد من حيث عدد الرواة إلى ثلاث أقسام: الحديث المشهور، الحديث العزيز، الحديث الغريب.
- الحديث المشهور: هو الحديث الذي رواه ثلاثة من الرواة فأكثر في كل طبقة من طبقات رواة الحديث، بحيث لا يبلغ عدد الرواة حد رواة الحديث المتواتر.
- الحديث العزيز: هو الحديث الذي لا يقل عدد رواته عن اثنين من الرواة في جميع طبقات رواة الحديث.
- الحديث الغريب: هو الحديث الذي ينفرد بروايته واحدٌ من الرواة فقط.
وهذه الأقسام الثلاثة من أقسام الحديث هي المسماة بحديث الآحاد، وينقسم حديث الآحاد بأنواعه الثلاث من حيث النسبة القوة والضعف إلى قسمين: حديث مقبول، وحديث مردود، وبيانهما فيما يلي:
- الحديث المقبول: هو الحديث الذي ترجّح صدق الراوي المخبر به، وهو أربعة أنواع:
- حديثٌ صحيح لذاته: هو الحديث الذي اتصل سند رواته بنقل الراوي العدل الضابط عن مثله من أوّل السند إلى آخره بدون أي شذوذ أو علّة.
- حديثٌ حسن لذاته: هو الحديث الذي اتّصل سند رواته بنقل الراوي العدل الذي خفّ ضبطه ربما عن مثله، وربما عن من هو أضبط منه إلى نهاية السند بدون شذوذ أو علة.
- حديثٌ صحيح لغيره: هو الحديث الذي وجد في نفس معناه حديث آخر صحيح، فيكون هذا الحديث صحيحٌ لغيره لا لذات الحديث.
- حديثٌ حسن لغيره: هو حديثٌ ضعيف ولكن تعدّدت طرقه، بشرط ألا يكون سبب ضعف الحديث فسق راويه أو كذبه
إنّ الأقسام الأربعة السابقة جميعها تدخل في الحديث المقبول الذي يمكن أن يُحتجّ به، وإذا وصف الحديث في نفس الوقت بأنه حسنٌ صحيح كما عند الترمذي غالباً، فدلالة ذلك ومعناه -كما قال الإمام ابن حجر ووافقه الإمام السيوطي- أنّه إن كان لهذا الحديث إسنادان فأكثر، فهذا الحديث حسنٌ باعتبار إسنادٍ من جهة وصحيحٌ باعتبار الإسناد الآخر، وإن كان للحديث إسناد واحدٌ فقط، فالدلالة والمعنى أنّ الحديث حسنٌ عند قومٍ، وهو صحيحٌ عند غيرهم.
والقسم الثاني غير المقبول من قسمي حديث الآحاد هو الحديث المردود، وهو الحديث الذي لم يترجّح صدق الراوي المخبر به؛ وذلك لفقد أحد أو جميع شروط قبول الحديث، وقد قسّم علماء الحديث الحديث المردود إلى أقسامٍ كثيرةٍ، وَعَدّ لها أسماء خاصة، ولكنّهم اتّفقوا جميعاً على تسميته باسم عام وهو الحديث الضعيف ، وهذه التّسمية تدلّ على الحديث المردود الذي لا يُحتجّ به، وهو الحديث الذي لم تتوفّر فيه صفة الحديث الحسن ، وهو أدنى درجات الحديث المقبول.