أخلاق المسلم
أخلاق المسلم
التعريف بالأخلاق في الإسلام
يُعبر عن الأخلاق بأنها المبادئ والقواعد التي تُنظّم سلوك الإنسان، وفي الإسلام: الأخلاق الإسلامية هي سلوكيات يحدِّدها الشرع، نزلت من الله -سبحانه- إلى نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وعلّمها للمسلمين قولاً وأداءً؛ لتنظيم حياتهم بالشكل الذي يُرضي الله -تعالى-.
وللأخلاق الإسلامية طابِعَيْن؛ الأول وهو الطابع النظري؛ أي الطابع الإلهي، فهو مُراد الله، أما الطابع الثاني فهو الطابع العملي؛ أي تطبيق المسلم للأخلاق حسب التشريع الإلهي والسلوكيات التي تُرضي الله، وتنظّم حياته مع نفسه، ومع الله، ومع المجتمع.
وبهذا لا تكون الأخلاق جزءاً من النظام الإسلامي فحسب، بل تعدُّ رُوحه ولُبَّه الذي لا بدَّ من وجوده في جميع مناحي حياة الإنسان المسلم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ -وفي روايةٍ صالحَ- الأخلاقِ).
وقد فسّر الإمام الجرجاني الخُلقُ، فقال: "الخُلُق عبارة عن هيئةٍ راسخةٍ في النّفس تَصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسْرٍ من غير حاجة إلى فِكر ورويّة، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولة، سُمّيت الهيئة خُلُقاً حسناً، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة، سُمّيت الهيئة التي هي المصدر خُلُقاً سيئاً".
حثّ الإسلام على الأخلاق
كان الأنبياء -عليهم السلام- أحسن الناسِ خُلقاً، وقد قال الله -تعالى- مادحاً لسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وهذا يُبيّن عظيم الأخلاق التي كان يتحلّى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ويَحثُّنا على اتّباعها والعمل بها.
وكان -عليه الصلاة والسلام- يَكظم غيظه و يَعفو عن الناس وهو في أشدِّ حالات الغضب، قال -تعالى-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وكان ليناً مع الناس، صبوراً على تعليمهم، وحريصاً عليهم، وقد وصفه الصحابي عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- بحسن خلقه فقال: (لم يَكُن رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا)، أي أنَّ كلَّ كلامه كان مؤدّباً لَبِقاً.
و حُسنُ الخلق مطلوبٌ شرعاً، لذلك ومَن حَسُنَ خُلقه نال أجراً عظيماً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنّةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإنْ كان مُحِقًّا، وببيتِ في وسطِ الجنَّةِ لمَن تركَ الكذبَ وإنْ كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه).
كما أنَّ مَن ساء خُلقه، وألْحق الأذى بالناس، نال العقوبة و الحساب من الله -سبحانه-، فلا يجوز للمسلم إلحاق الأذى بغيره متعمّداً، فقد قال الرسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ؟ قالَ: المتَكَبِّرونَ).
نماذج من أخلاق المسلم
ينبغي على المُسلِمِ أن يَتمسَّك بالأخلاقِ الحسنة التي حثّ عليها الإسلام، وأن يتحرَّى التخلُّق بالفضائِلِ والخِصالِ الحَسنةِ وتطبيقها في حياته دائما، ومِن أهمِّ الأخلاق التي ينبغي على المُسلِم أن يتحلَّى بها:
الصدق
لا بدَّ أنْ يكون الصدقُ خُلُقاً أساسياً في حياة المسلم، فالمسلم لا يكذب، والكذب ضلال وخسارة، وقد مدح الله -سبحانه- الصادقين لمكانتهم حين قال: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عاقبة الصادقين والكاذبين: (علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا).
الأمانة
الأمانة هي خُلُقٌ يَنبُعُ من النفس، ويَظَهرُ على السلوك حين يُؤتمن الإنسان على شيءٍ، فهي ما عليه الفطرة السليمة، سواءً كان هذا الشيء معنوياً ك حفظ الدين ، قال -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ)، أو كان مادياً كحفظ شيءٍ ماديٍ قد أوْكل إليه حِفظه.
والأمانةُ خُلقٌ حسن، بل من أفضل الأخلاق التي يجب أنْ يَتحلّى بها المسلم وأنْ لا يناقضها، وقد عُرف النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ صغره بالأمانة، وحثّ الله -سبحانه- على هذا الخُلق في أكثر من موضعٍ في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)،
التواضع
التواضع هو أمرٌ قلبي يجعل الإنسان لا يرى نفسه كشخصٍ أفضل من غيره، فيظهر ذلك على سلوكياته في تعامله مع الناس، وهو عكس التكبّر الذي يجعل الإنسان يرى نفسه أفضل من الجميع، فيظهر ذلك على سلوكياته ويُسيء التعامل مع غيره.
يقول المحاسبي: "اعلم أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده، وأن العبد إذا تكبّر صار ممقوتًا عند الله، وقد أحبَّ الله منه أن يتواضع"، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
وبمعرفة ذلك؛ لا بدّ للإنسان من عدم تعظيم نفسه والعُجْب بها، وأن يتواضع ويَعرف قدره، ف التكبّر لا يليق إلا بالله -سبحانه- الذي هو سبب وجود كلِّ موجود، وقد كان الأنبياء -عليهم السلام- أكثر الناسِ تواضعاً، فكلما تواضع الإنسان رفع الله قدره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وإنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ علَى أَحَدٍ).
والتواضع يبدأ في القلب، ولكنّ ذلك غير كافٍ، فلا بدَّ أن يظهر على الجوارح و الأعمال ، ولا بدَّ أن تتوافق نيَّته في التواضع مع أعماله حتى يتحقَّق الخُلُقُ كما يرضي الله، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
ومعنى أذلَّة على المؤمنين أي يرأفون بالمؤمنين، ولا يعني التواضع أن يكون الإنسان خَسيساً ذليلاً، بل هو منزلة بين التكبُّر والتذلّل، فلا بدَّ أن يتواضع المسلم عن علمٍ حتى لا يقع في هذا الأمر، فقد أعزَّ الله الإسلام والمسلمين، قال -تعالى-: (وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
إنَّ للتواضعِ صوراً وأعمالاً منها:
- الصورة الأولى: التواضع مع الله
وهي أن يَستشعر الإنسانُ عظمةَ ربِّه، فيَخضعُ ويتذلّل له، فما هو إلا عبدٌ خلقه الله من ترابٍ ومردُّه إلى التراب، أمّا الله -سبحانه- فهو الخالق المستحقّ للتعظيم الذي مَنَّ على الناس بنِعمه.
- الصورة الثانية: وهي التواضع مع الناس
حيث لا بدّ للإنسان أن يتواضع ولا يرى نفسه أفضل من غيره، ولا يَبخسها كذلك، وقد صحَّ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه حين فتح بيت المقدس، كان يتَّجِهُ إلى الشام ومعه أبو عبيدة، فمرّوا على أرضٍ فيها ماء، فنزل عمر عن الناقة، ووضع خُفّيه تحت إبطه، وبدأ يجر ناقته، فنهاه أبو عبيدة عن ذلك لأنّه سيلقى أسياد بلاد الشام الآن، فلا يجب أن يروا هذا العمل من عمر أمير المؤمنين، فردَّ عليه قائلاً: (أوَّهْ لو يقل ذا غيرُك أبا عُبَيدةَ جعلتُه نكالًا لأمةِ محمدٍ، إنا كنا أذَلَّ قومٍ فأعزَّنا اللهُ بالإسلام، فمهما نطلب العزَّ بغير ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا اللهُ).
- الصورة الثالثة: العفو عن من جاء معتذراً
فالمسامحة والعفو هي من أعظم الصور التي تبيّن تواضع الإنسان، وأجرها عظيم عن الله -تعالى-.
الصبر
لا بدَّ أن يمرَّ الإنسانُ بمحنٍ ومصائب وابتلاءاتٍ في حياته، فقد كتب الله -سبحانه- هذا على الناس، لأنَّ الدنيا دار ابتلاء، قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).
ويُبيّن الله في هذه الآية أنَّ الابتلاء امتحان، ولكي يجتازه المسلم لا بدَّ من تحقُّق الصبر فيه، ويتحقَّق الصبر حين يُوقن المسلم أنَّ ما أصابه من الله، فيحتسب ولا يسخط، ويكون على يقينٍ أنَّ الفرج آتٍ لا مَحالة، وأنّ من أراد الثواب والأجر العظيم يجب أن يعمل لِينَاله، وأن يصبر على الشدّة ويكبح غضبه وينتظر الفرج بيقينٍ.
العزّة
العزَّة هي خُلُقٌ يَستمدُّه المسلم مما أعطاه الله -تعالى- إياه من نِعَمٍ، وأعزُّها نِعمة الإسلام، فحينما يَسجد المسلم يشعر بالذلِّ والخضوع لربِّ العزَّة الذي لا ينبغي الكبرياء لسواه، وهذا هو الشعور الحقَّ الذي يجب أن يتحلَّى به المسلم ويَعتزّ، لأنَّ الله قد أذِن له بعبادته.
قال -تعالى-: (فَلِلَّـهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
الرحمة
الرحمة هي من أسمى الأخلاق التي تجعل قلب الإنسان يرقُّ للناس، فيعفو ويرفق بهم ويَتمنّى لهم الهدى، فلا بدَّ أن يتحلَّى الإنسان بخُلُقِ الرحمة، ويَبتعد عن قسوة القلب، والله -سبحانه وتعالى- كتب على نفسه الرحمة، قال -تعالى-: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ).
وقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان مع الصحابة، وقد رأوا امرأةً كلّما رأت طفلاً جائعاً أرضعته، فسأل النبيّ الصحابة إن كانوا يظنّون أن هذه المرأة قد تلقي بطفلها في النار، فتعجّب الصحابة وردّوا أنَّها لن تفعل شيئاً كهذا ما دامت قادرة على أن لا تفعله.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا)، فرحمة الله اشتملت على كلّ شيء، وعلى المسلم أن يتّصف بهذا الخُلُق فَيرحم مَن في الأرض، حتى يَرحمه من في السماء.
الإخلاص
الإخلاص هو غَريزةٌ بشريّة تظهر على سلوكيات الإنسان بناءً على اهتماماته، فهو نوايا الإنسان التي تنعكس على تصرّفاته، فمثلاً المخلص لجمع المال؛ ترى من تصرفاته أنّ اهتماماته مُنصبّةٌ في هذا الجانب، والمخلص لعلمه؛ ترى أَولى أولوياته علمه وهكذا.
والإخلاص في الإسلام هو من أهم الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلَّى بها، ف عبادة الله يجب أن تكون بإخلاصٍ تامٍ لمرضاة الله وليس لأيِ هدفٍ آخر، وعند أداء العبادات يجب أن تكون نيّة الإنسان واضحة وجليّة، وكوْنها لله وحده لا لأمرٍ آخر، فقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معنى الإخلاص في الدين وفي الدنيا فقال: (الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ).
أدب الحديث
إنَّ من أعظم النِّعم التي أنعم الله -تعالى- بها على الإنسان هي نعمة القدرة على الكلام، ولذلك لا بدَّ للمسلم أن يستغلَّ هذه النعمة بما يرضي الله.
فالكلام في غير محلّه من لغوٍ وجدالٍ يُغضب الله ويَعودُ على الإنسان بما يَضرُّه من عاقبةٍ وآثام، قال -تعالى-: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
الحلم والصفح
تختلف طباع الناس عن بعضها البعض، فمن الناس من إذا غَضب أخطأ كثيراً في حقِّ نفسه وفي حقِّ غيره، حتى إذا هَدَأَ ندم وحاول تصليح خطأه باللّجوء إلى الاعتذار، فحريٌ بالمسلم أن يكون ذو صَدرٍ رحب، يعذر المخطئ، ويأخذ بالمبرّرات لإخوته المسلمين، ولا يسيء الظنّ بهم، فالإسلام دينُ الحِلم و الصفح .
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حليماً رقيقَ القلبِ حتى مع المشركين الذين أخرجوه من دياره، وحاولوا قتله، وهذا حال كلِّ نبيّ، قال -تعالى-: (قالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ* قالَ يا قَومِ لَيسَ بي سَفاهَةٌ وَلـكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ).
طرق اكتساب المسلم للأخلاق
الأخلاق الإسلامية صنفين؛ الأول أخلاقٌ تُولد مع الإنسان، فهي من نعِم الله -تعالى- عليه، والصنف الثاني هي الأخلاق التي تُكتسب من المحيط الذي يعيش فيه، أو ما يَعمل الإنسان على اكتسابه، قال الصحابي أبو الدرداء -رضي الله عنه-: (العِلمُ بالتَّعلُّمِ، والحِلمُ بالتَّحَلُّمِ، ومن يتَحَرَّ الخيرَ يُعطَه، ومن يَتَوَقَّ الشرَّ يُوَقَّه).
وعلى المسلم البحث عن الطرق المناسبة التي تُحسِّن من أخلاقه، ويقتدي بالأنبياء -عليهم السلام- وبأخلاقهم، وفيما يأتي ذِكر الطرق التي تساعد المسلم على اكتسابه هذه الأخلاق:
- معرفة الأحكام الشرعية في المعاملات، وأحكام الأخلاق، واستحضار وجوب الواجب، وحرمة الحرام، فإنَّ ذلك من أهمّ الوسائل، والقراءة في القرآن الكريم وسنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته جديرٌ بأن يزوّد الإنسان بالصفات الحميدة.
- التدريب العمليّ والرياضة النفسيّة، ومنها مجاهدة النفس على فعل وقول الخير، وترك كلِّ ما هو شرٌ، وكبح الغضب.
- الحياة في بيئة صالحة.
- القدوة الحسنة ، ويكون ذلك بمصاحبة العلماء والفقهاء وذوي الأخلاق العالية حتى يأخذَ من طباعهم ويتعلَّم منهم.
- التفكير في الآثار المترتبة على حسن الخُلُق، فمن شأن ذلك أن يَردع النفس عن القيام بما لا يليق، حتى لا يقع في عواقب غير مرضية له.
- إقامة الدروس، والخطب، والمحاضرات التي من شأنها تذكير الناس بالقِيَم وطُرق تطبيقها.
- قراءة الكتب التي تختصُّ بجانب آداب المسلم ونشرها بين الناس.
- سلامة العقيدة ، فلا بدَّ أن تكون عقيدة المسلم سليمة حتى تكون حافزاً له للعمل بما يرضي الله.
- الدعاء، وذلك بأن يدعو المسلم لنفسه بأن يهديه الله ويحسِّن أخلاقه، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو فيقول: (اللهمَّ اهدني لأحسنِ الأعمالِ وأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ وقِني سَيِّئَ الأعمالِ وسَيِّئَ الأخلاقِ لا يقِي سيئَها إلا أنتَ).
- المحاسبة ومراجعة النّفس باستمرار، فعندما يحاسب الإنسان نفسه، يَحرص على تحسِين نفسه، وهذه من أكثر الطرق التي تساعد الإنسان على التحسين من نفسه.
- الحذر من اليأس من إصلاح النفس، فاليأسُ من الشيطان، والإنسان قد ينسى ويُخطئ، ولكنَّ الله يغفر الذنوب والزلَّات ما دام الإنسان يُجاهد نفسه على إصلاحها ولا يستسلم. وعلو الهمَّة، والصبر، والشجاعة.
- العِفَّة، فالعِفَّة تنهى الإنسان عن ارتكاب الكثير من الفواحش؛ كالكذب والسخط، وتدفع الإنسان لتطبيقِ أخلاقٍ حميدةٍ أخرى؛ كالصدق والحياء.
- تجنب العُبوس ومحاولة التبسُّم الدائم، فهذا من شأنه أن يحَسِّن الكثير من علاقات الإنسان مع الآخرين.
- العدل، فالعدل يُوصل المسلم للاعتدال والتوسُّط.
- الابتعاد عن بعض الصفات التي تُعَدُّ أساس سُوء الخُلُق، وهي الجهل والغضب والشهوة والظلم.
أهمية الأخلاق للمسلم
الأخلاق لها أهميةٌ كبيرةٌ، فهي روح الإسلام وكيان نظامه، وقد بَعثَ الله الإسلام، لِتنظيم حية البشرّية كافّة، بِوضع ضوابطَ وأخلاقٍ تهذِّب النفوس والمجتمعات، ولهذا بانت أهميّة الأخلاق، ونذكرها فيما يأتي:
- صاحب الخُلُق الحَسَن أقربُ الناسِ مجلساً من النبي -عليه الصلاة و السلام- يوم القيامة.
- وصيّة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته بالتحلَّي بحُسْن الخلُق.
- أحبُّ العباد إلى الله -تعالى- حَسَن الخُلُق.
- حُسْن الخُلق من أعظم ما أُعطيَ للناس.
- حُسْن الخلق من أسباب تجاوز الله عن العبد يوم القيامة.
- حُسْن الخُلق هو الذي لَفت إليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأنظار إذا تقدم إلى العائلة من يخطب ابنتهم.
- التحلَّي بحُسْن الخُلق هو امتثال لأمرِ الله -سبحانه-.
- حُسْن الخُلق، هو سببٌ لاستحقاقِ محبّة الله -سبحانه- ونبيّه -صلى الله عليه وسلم-.
- علاقة الأخلاق ببناء الشخصيّة الإنسانيّة: فالإنسان المسلم عليه أن يكون ذُو أخلاقٍ عاليةٍ، لأنَّ المسلم يُقاس بأخلاقه لا بِشكله وحجمه.
- ارتباط الأخلاق بالأُسس العقديّة والتشريعيّة للدين الإسلامي: فلا تنفصل الأخلاق عن العقيدة الإسلامية، لأنّها التدريب العملي لِقِيمِها، قال حمود شلتوت في هذا المعنى: "إن العقيدة دون خلق شجرةٌ لا ظلَّ لها ولا ثمرة، وإن الخلق دون عقيدة ظِلٌّ لشبحٍ غير مستقر".
- آثارها في سلوك الفرد والمجتمع: فالأخلاق الحسنة هي التي تُهذِّب النفس البشرية، وبالتالي تنعكس على سلوكيّاتها، وهذه الأخلاق ليست مُرتبطة بزمان، أو مكان، أو قوم، بل هي صالحةٌ للجميع، وقد قال الله -تعالى- عن النفس: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).
- ثِقل الميزان والفوز بأعلى الجنان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس شيءٌ أثقَلَ في الميزانِ مِن حُسنِ الخُلُقِ).
- المؤمنَ يُدرك بحسن الخلقِ درجةَ القائم الصائم ، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ).