تعريف التربية
تعريف التّربية
للتربية دورٌ مهمٌ في حياة المجتمعات والشعوب، فهي عماد التطوّر والبنيان والازدهار، وهي وسيلةٌ أساسيّةٌ من وسائل البقاء والاستمرار، كما أنها ضرورةٌ اجتماعيّةٌ تهدف لتلبية احتياجات المجتمع والاهتمام بها، كما أنها أيضاً ضرورةٌ فرديّةٌ من ضرورات الإنسان، فهي تكوّن شخصيّته وتصقل قدراته وثقافته ليكون على تفاعل وتناسق مع المجتمع المحيط به ليسهم فيه بفعاليّة، ومن هنا شغلت التّربية الكثير من الباحثين والدّارسين على مر العصور، وكان لها قدرٌ لا يُستهان به من الدراسة والتحليل.
يعرّف الجوهريّ التربية لغةً بأنها: (رَبَّيْته تَرْبِية وتَرَبَّيْته أَي غَذَوْتُه، قال: هَذا لكل ما يَنْمِي كالوَلَد والزَّرْع ونحوه).
التّعريفات القديمة للتّربية
هناك تعريفات مختلفةٌ ومتعددةٌ للتربية ، وعلى مرّ الزمن ظهرت تعريفات مختلفة للعلماء والفلاسفة والمفكرين بسبب اختلاف نظرتهم للإنسان ولفلسفته في الحياة وللمعتقدات التي يعتقدها، ولأنهم ينظرون إليها على أنها قضيّة جدليّة، ومن التعريفات الأساسيّة القديمة للتربية ما يلي:
- تعريف أفلاطون للتربية (427-347 ق.م): (إنّ التربية هي أن تضفي على الجسم والنّفس كل جمال وكمال ممكن لها).
- تعريف رفاعة الطهطاوي (1801-1873 م): ( التربية هي التي تبني خُلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمّي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكّنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير).
- تعريف ساطع الحصري (1881-1968 م): (التربية هي تنشئة الفرد قويّ البدن، حسن الخلق، صحيح التفكير، محبّاً لوطنه ، معتزاً بقوميّته، مدركاً واجباته، مزوَّداً بالمعلومات اللازمة له في حياته).
- تعريف إسماعيل القبّاني (1898-1963 م): (التّربية هي مساعدة الفرد على تحقيق ذاته حتى يبلغ أقصى كمالاته الماديّة والروحيّة في إطار المجتمع الذي يعيش فيه).
- تعريف هربرت سبنسر (1820-1903 م): (التّربية هي إعداد الفرد ليحيى حياةً كاملةً).
- تعريف جود ديوي (1845-1905 م): (التّربية هي الحياة وهي عمليّة تكيّف بين الفرد وبيئته).
التّعريفات الحديثة للتّربية
استمرّ العلماء في طرح تعريفاتٍ حديثة لمفهوم التربية كلٌّ بحسب وجهة نظره، ولكن التعريفات مهما تطورّت وتعددت فهي جميعها تشير إلى معاني التقدّم والرُّقيّ والكمال والنمو والتنشئة والتطوّر للأفضل، كما أنها لا تقتصر على فترةٍ زمنيةٍ معيّنةٍ من عمر الإنسان، بل هي عمليةٌ مستمرةٌ معه، ومن التعريفات الحديثة لمصطلح التربية:
- (التربية هي عمليّة التكيّف أو التفاعل بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها).
- (التربية هي عمليّة تضم الأفعال والتأثيرات التي تستهدف نموّ الفرد في جميع جوانب شخصيّته، وتسير به نحو كمال وظائفه عن طريق التكيّف مع ما يحيط به، ومن حيث ما تحتاجه هذه الوظائف من أنماط سلوك وقدرات).
- (إنّ التربية هي العمل المنسَّق المقصود الهادف إلى نقل المعرفة ، وخلق القابليات، وتكوين الإنسان، والسعي به في طريق الكمال من جميع النواحي وعلى مدى الحياة).
أهمية التربية
هناك أهميّة كبيرة لدور التربية في المجتمعات على اختلافها، وتبرز أهميتها في جوانب متعددة منها أنّها:
- عامل مهم في التوازن البيئيّ ، وذلك من خلال دور التربية البيئيّة التي تثقّف الفرد في تعامله مع البيئة والطبيعة من حوله، حيث إنّ البيئة تعرّضت لمخاطر كبيرة من التلوّث البيئيّ الذي قام به الإنسان، لذا أصبحت التربية تولي البيئة المكانة اللازمة في نفوس الأفراد للمحافظة عليها، وتكوين الإنسان البيئيّ الصالح.
- أصبحت التربية استراتيجيّةً وطنيّةً لشعوب العالم، يتمّ وضع الميزانيّات والخطط والكوادر البشريّة من السياسات والبلدان لتحقيق الأهداف المرجوّ أن يسير الأفراد عليها من خلال التربية.
- عاملٌ مهمٌ من عوامل التنمية الاقتصاديّة ، عن طريق تكوين أفرادٍ مؤهلين واستثمار القوى البشرية وإعدادها وتأهيلها للعمل في الاقتصاد.
- عاملٌ مهمٌ من عوامل التنمية الاجتماعيّة ، حيث تربي الفرد على تحمل مسؤولياته الاجتماعية، ومعرفة حقوقه وواجباته.
- عاملٌ مهمٌ في بناء الدولة العصريّة الحديثة التي تتماشى مع الحضارة، وتواكب التقدم العلميّ والتكنولوجيّ، ويعيش الفرد فيها حياةً كريمةً برفاهيّةٍ وعدالةٍ اجتماعيّةٍ بين جميع الأفراد.
- عاملٌ مهمٌ من عوامل إرساء الديمقراطيّة الصحيحة، حيث تدلّ الأفراد على حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، وتحرير الأفكار من الجهل ليؤمن الأفراد بالرأي والرأي الآخر، ودور المشاركة الفعالة في تطوير المجتمع.
- عاملٌ مهمٌ في التماسك الاجتماعيّ والوحدة الوطنية والقوميّة من خلال توحيد القوى والاتجاهات في المجتمع لخلق وحدةٍ فكريّةٍ تؤدي إلى ترابط المجتمع وتماسك أفراده.
أهداف التربية
مع اختلاف أهداف التربية عبر العصور والمجتمعات المختلفة إلا أنها وبشكل عام تسعى لاندماج الفرد مع مجتمعه، وبالتالي فهي تُعنى بالفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، ومن هذه الأهداف:
- إعداد المواطن الصالح ، وهي تُعدّ من أهم أهداف التربية في العصور القديمة والعصر الحاليّ، حيث تهتمّ التربية بالوصول إلى التوازن بفكر الإنسان وأحاسيسه وانفعالاته وجسده وأخلاقه ليكون مواطناً صالحاً متفقاً مع نفسه ومع المجتمع .
- تأهيل الفرد دينيّاً ودنيويّاً، حيث توجّهت التربية مع التطور الزمني للتوجّه الديني والروحانيّ لدى الأفراد، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الإنسانيّة والدنيويّة.
- تعليم الفرد وتدريبه على كيفية العمل وكسب الرزق، كونها العملية التي تؤهل الفرد للحياة وتجعله متكيّفاً مع البيئة المحيطة به.
- نقل الأنماط السلوكيّة والحفاظ عليها من دون تغيير من جيل إلى آخر، كما في الأنماط المحافظة من التربية، مثل حضارات الصين، والهند، ومصر القديمة، التي كانت التربية فيها تأخذُ منحى محافظاً يهتم بالعادات والتقاليد.
- هدف تنمويّ للمجتمع ككل بجميع النواحي الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة.
- أهداف علميّة تركز على نقل العلوم والمعارف لطالبي العلم، ولإعداد المتعلّم عقليّاً، وتعليمه طرق التقصّي عن الحقائق والمعلومات، وطرق حل الفرد لمشكلاته بأسلوب علميّ، وبمعنى آخر لم تعد التربية تعتمد على التلقين وتخزين المعلومات في العقول، بل على تكوين العقول لتفكّر تفكيراً علميّاً سليماً.
- تكوين أفراد ومجتمعات ديمقراطيّة فيكون الفرد منفتحاً عقلياً في فكره وآرائه في الآخرين، فيتعلّم منها، ويضيف إليها، ويدرك حقوقه ويمارسها، فصلاح الفرد يؤدي إلى صلاح المجتمع، ويتكوّن بالنهاية مجتمع ديمقراطيّ.
- هدف تقدّمي حيث إنها غاية بحد ذاتها؛ لأنها تؤدي إلى نموّ الفرد، إذ إن النموّ عملية مستمرّة وكذلك التربية.
- هدف وطنيّ وقوميّ، فالتربية وسيلة لتقوية الشعور بالوحدة الوطنية والقوميّة، هذا الشعور النابع من وحدة اللغة والتاريخ والجغرافيا وآمال المستقبل وطموحاته.