تعبير كتابي بمناسبة المولد الشريف (لطلاب الثانوي)
محمد: مولد أشرقت له الأرض
كان ذلك اليوم العظيم، في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، يوم له وقع كبير في قلوب الناس، امتدّ أثره إلى العصر الحاضر، هو اليوم الذي وُلد فيه سيّد البشر وحبيب المسلمين وحامل رسالة الدين الحنيف محمد صلّى الله عليه وسلم، فكانت ولادته نورًا أضاء الكون، وفرحًا غمر القلوب، وخيرًا عمّ كل ربوع الأرض. كيف لا وهو الرسول العربيّ الأمي وخاتم الأنبياء والمرسلين، وهو صلاح الأمة وتغييرها على يديه.
كثيرة هي البشائر التي حصلت عند مولد الّنبي الكريم صلّى الله عليه وسلم، وإن اختلف الرواة والمؤرّخون حول صحتها أو خطئها، إلا أنه لا يمكن إنكار التغييرات الكبيرة التي عمّت البلدان بعد مولد النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد بشّر الله تعالى أمه آمنة به وهو في رحمها، وجدّه عبد المطلب هو الذي سمّاه محمدًا ولم يكن هذا الاسم متداولًا من قبل، وكل هذا بتيسير من الله تعالى وأمره وقضائه، ليكون سيّد المرسلين في قادم الأيام نورًا وفرحًا وخيرًا عظيمًا للبلاد والعباد، ويكون هو قائد الأمة ومرشدها إلى الهداية والدين والجنة وكل ما يقرب إليها من قول أو عمل.
كان الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم حسن الخلق مميزًا عن كل من حوله حتى قبل بعثته، وكانت له مكانة في قلوب الجميع، يعرفون عنه الصّادق والأمانة، وكان يغيث الملهوف ويساعد الآخرين ولا يتوانى عن فعل الخير، وكل هذه الخصال الحميدة كانت تعبر عن فطرته السليمة ونقاء قلبه، وكل ذلك ممّا يمهّد لحمله الرسالة وإيصالها لجميع البشر، إنّ كل الإرهاصات التي كانت تحصل قبل بعثة النبي الكريم تدلّ على أنه هو النبيّ المنتظر الذي ذُكر في التوراة والإنجيل، وأنه هو نور الحقّ والضياء الوقّاد بالعلم والمعرفة المتوهّجة لله ولمخلوقاته، ثم كانت بعثته وبدأت شمس الإسلام تسطع على قلوب البشر وتنير حياتهم وترسم لهم خطواتهم على الطريق المستقيم الذي يوصل إلى الله تعالى.
محمد: نبي الإسلام والسلام
إن مولد النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم وبعثته وما نشره من رسالة الدين الإسلاميّ بأقواله وأخلاقه وتصرفاته وأحاديثه لنعمةٌ عظيمة أكرم الله تعالى بها البشريّة، إنه هو الذي نشر الإسلام نشرًا لا تشوبه شائبة ولا يدخله شك، بل إنه هو من علّم البشر والمسلمين وغيرهم كيف يكون الإسلام متجليًا في حياة المسلم بكل تفاصيلها، في أقواله وتعاملاته وتجارته وتعامله مع أهل بيته ومع أصدقائه، فلم يترك ناحية من نواحي الحياة إلا وكان قدوة فيها لكل مسلم ومسلمة، بل لكل إنسان على وجه الأرض، هو الذي كابد إرهاصات الوحي وما يحصل به عندما ينزل الوحي إليه ليلقّنه القرآن الكريم، كي يوصل للمسلمين رسالة الإسلام كاملة.
كان الرسول الكريم قرآنًا يمشي على الأرض، فقد كان يعيش القرآن بكل أوامره ونواهيه وأخلاقه ويفعل ما يُؤمر به، ويبتعد عما يُنهى عنه، فكان نبيّ الإسلام، والنور الحق المبين لكل المسلمين، كما أنه كان نبي السلام والأمان، يثق الجميع برأيه ومشورته، ولا يتوانون عن سؤاله عن كل صغيرة وكبيرة؛ فكان نعم القائد وخير المرشد وأفضل ناصح، كان بشوشًا، في بسمته ما يضفي على قلوب الصحابة والتابعين جوًا من السلام والطمأنينة، وكان عظيم اليقين والإيمان بقضاء الله وقدره فلم يخف ولم يحزن ولم يتعب ولم يهن، بل كان دائمًا يُطمئِن كل من حوله أن الله معهم ولن يتركهم ما داموا ملتزمين بأوامره ونواهيه.
محمد صلى الله عليه وسلم، كان القدوة الصالحة والشعلة الوضاءة للإسلام والمسلمين، علّم البشر كلهم إلى يومنا هذا كيف تكون الأخلاق الصحيحة، وكيف يتجلّى الإسلام في حياة البشر بكل تفاصيله، وبين للناس أن كل ما يؤمر به الدين أو ينهاهم عنه إنما هو لمصلحتهم، فما أعظم نعمة الله على البشر، إذ بعث فيهم رسولًا منهم يعلمهم دينهم ومبادئهم وينشر الإسلام بأخلاقه وكلامه وتصرفاته، ويبث روح الأمن والاستقرار في كل مكان يحل فيه.
محمد: حامل الرسالة وباني الحضارة
كانت الرسالة التي حملها النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم عظيمة وتحتاج همة وإرادة وقوة، وقد أمد الله تعالى النبي الكريم بكل ذلك وكان عونًا له، وهيأ له من يكون له قوة وسندًا إلى جانبه من أصدقاء وأزواج ومعارف، فكان الرسول الكريم خير معلم، هو الذي تحمل أعباء الرسالة الإسلامية، وصبر على أذى الكفار والمشركين، وتقبل كل ما نعتوه به من نعوت سلبية سيئة حاشاه أن يتصف بها، راضيًا بكل ذلك متعاملًا بأخلاق الإسلام، فلم يردّ الإساءة بمثلها، بل دعا للكفار والمشركين بالهداية لأنهم لا يعلمون عظمة الفعل والكلام السيئ الذي يتلفظون به بحق الدين وبحّق الرسول الكريم.
حمل الرسول صلى الله عيه وسلم رسالة الإسلام ونقلها إلى كلّ بقعة من بقاع الأرض، وقد عبرت أخلاق النبي عن أخلاق الإسلام، وقد تجلّت حتى في الغزوات، فلم يتكبر أو يتعالَ لأنه القائد بل كان يعمل مثله مثل الجنود، وقد كان دائمًا يوصي المحاربين بحسن الخلق في الحروب، ويأمرهم بالابتعاد عن الغدر والتمثيل وقتل الأطفال وإيذاء النساء، وهذا كله يدل على حسن خلقه حتى مع أعدائه ، فهو يعامل الجميع بأخلاق الإسلام لا بناء على تعاملهم معه، كما كان حريصًا على حقن الدماء، ويستوصي خيرًا بالأسرى الذين يأخذهم في حروبه وغزواته.
الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم هو الذي عمر الحضارة الإسلامية ورفع شأنها عاليًا، فالمرأة لم تأخذ حقوقها وترتفع مكانتها إلا في العهد الإسلامي، حتّى وصل بالرسول الكريم أن كانت آخر وصاياه قبل وفاته صلّى الله عليه وسلم تتعلق بالمرأة، فأمر الرجال أن يستوصوا بالنساء خيرًا ، وأن يترفقوا بهنّ ويحترموا مشاعرهنّ، فلم يقمع المرأة ولم يقلل من شأنها، بل كان يأخذ بمشورتها ورأيها ويعلي من شأنها.
كان النبي حانيًا على الأطفال، صادقًا في تعامله و تجارته، يعطي الحقوق لأصحابها، ومن مواقفه التي تدل على رحمته بالأطفال ما كان يفعله الحسن والحسين به عند الصلاة، إذ يركبان على ظهره أثناء السجود فيطيل سجوده كي لا يزعج الحسن والحسين، وبهذه الأخلاق تُبنى الحضارات لا بالأموال الفاسدة والمظاهر الخادعة، وما تهدّمت الحضارات ولا انهارت إلا بعد أن تخلّى البشر عن كثير من هذه الأسس التي نشرها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم.
محمد: النبي الأمي الذي غير وجه التاريخ
إن الاعتراف بفضل النبي صلى الله عليه وسلم على البشرية ليس حكرًا على المسلمين وحدهم، بل هو أمر لا بد أن يعترف به كلّ البشر، فقد كان النبي الكريم هو المغيّر الحقيقي لوجه التاريخ فقد قلب الموازين وغير الواقع وبيّن معنى الإسلام وقوته، وجعل للمسلم منعة وقوة ويقينًا بقدرة الله. وفي أحد الكتب يصنّف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أعظم شخصية في التاريخ، ولكن في الواقع هو أعظم وأجلّ من أن يصنف في كتاب مع وجود شخصيات أخرى، فهو الرسول الكريم والنبي العربي الأمي، خير المرسلين وخاتمهم، حاشاه أن يُقارن بشخصيات عاديّة، هو الذي كان متميزًا بكل مجالات الحياة في الأخلاق والتعامل والتجارة والغزوات والهجرة وآداب الطعام والكلام والتعامل مع الصغار والكبار والنساء والرجال.
شتان بين شخصيات أبدعت في ناحية واحدة من نواحي الحياة وقصرت في نواحٍ كثيرة، وبين شخصية كانت خير قدوة في كل تفاصيل الحياة، وهل تُعقد المقارنة إلا بين الأمور المتشابهة، حبيبنا رسول الله لا يشبهه أحد، ولا يصل إلى أخلاقه أحد، هو الذي دعا دائمًا للإسلام والمسلين بالعزة والمكانة، هو الذي جعل بلاد المسلمين ذات حصون وقوة ومنعة يهابها الأعداء، يخشون اجتماع المسلمين ووحدتهم، ويعملون ما بوسعهم لتفريق شملهم وتشتيت روابطهم وصلاتهم، وأكبر دليل على هذه القوة والمنعة للمسلمين أن المحاولات ما زالت قائمة إلى العصر الحاضر للقضاء على الإسلام والمسلمين وتشويه صورة الإسلام، وقد قال تعالى مؤكدًا قوة الإسلام وعظمته: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو النّعمة العظيمة للمسلمين، هو خير المرسلين، بنى الحضارة وحمل الرسالة، ورفع راية الإسلام عاليًا، ولو أن سيرته دُرّست في كل صف دراسيّ، وكانت هي المنهج والشريعة لكانت أجيال العصر الحاضر من خيرة الأجيال، وشباب المسلمين من أعظم الشباب، إذ نجد في صفوفهم من يشبه الصحابة والتابعين في أخلاقهم، كلّهم فخر واعتزاز وقوة وشجاعة لا وهن في صفوفهم ولا ضعف في وحدتهم وترابطهم.
قد يهمك قراءة المقال التالي: موضوع تعبير عن المولد النبوي الشريف .