تعبير عن مهنتي المفضلة
المقدمة: مهنتي المفضلة هي حلمُ الطفولة
للطفولة أحلامها، ولكل منا حلمه الكبير الذي يسعى إليه، ويرى نفسه متميزًا وناجحًا فيه. جميعنا سئلنا هذا السؤال: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ وقداختلفت الإجابات وتعددت، حسب رغبة كل منا وميوله وقدراته وأحلامه وبيئته، فمنا من يريد أن يصبح طبيبًا يعالج المرضى، ومنا من يريد أن يصبح مهندسًا يبني العمارات الشاهقة، ومنا من يريد أن يصبح تاجرًا ماهرًا، ومنا من يريد أن يصبح معلّمًا ينشئ الأجيال.
العرض: مهنتي المفضلة نتيجةُ السعي والاجتهاد
دائمًا ما كانت تخطفني الألوان ويلفتني تنوعها في هذا العالم الرحب، وكم أحب الأشياء الجميلة، وأستطيع أن أميز مواضع الجمال في الأِشياء المحيطة بي، فيعجبني جمال الأزهار، وألوان الفراشات، وتشعرني زرقة السماء بالسكينة، وأمواج البحر بالهدوء، وتراني أدقق بالتفاصيل، تفاصيل الأشياء والناس، فأمعن النظر في الوجوه، وأقارن بين ملامح الناس، فهذا بعيون كبيرة وآخر بعيون صغيرة مشدودة، وهذا ذو بشرة بيضاء صافية، وذاك بشرته مشبعة بالحمرة.
كنت أقلد الأشكال وانحناءات الخطوط فأحاول رسم ما أرى بدقة، وقد لاحظت عائلتي ميلي الشديد للرسم واستمتاعي به، فشجعتني العائلة واشترت لي والدتي دفاتر الرسم والألوان، وكذلك لاحظت معلمة الرسم في المدرسة موهبتي وحاولت تطوير مهاراتي، وقد شاركت في مسابقات مدرسية للرسم وفزت في معظمها، وكان هذا حقًّا بمثابة تشجيع لي للسير نحو الأمام بخطى واثقة وعزيمة ثابتة.
ساعدتني البيئة المحيطة على صقل مهارة الرسم، سواء بيئتي في نطاق الأسرة، أم بيئتي في المدرسة، لكن هذا وحده لم يكن السبب في تميّزي، فالموهبة تحتاج إلى ممارسة وتدريب ومحاولة وصبر، فقد اطلعت شيئا فشيئا على أعمال فنية مهمة لفنانين كبار، وتعرّفت على المدارس الفنية بأساليبها المختلفة، وكثفت قراءاتي، صرت أحاول حضور المعارض الفنية لاكتساب الخبرة والتعرف على من هم أكبر مني عمرًا وأعظم خبرةً.
جاءت المرحلة الحاسمة، إذ نجحت في اجتياز الثانوية العامة بنجاح، وقررت أن أدرس التخصص الذي أحبّ، فاخترت الفنون البصرية، وتعلّمت خلال سنواتي الأربع التي قضيتها في الجامعة الكثير من المعارف، واكتسبت الكثير من الخبرات، والتقيت بأساتذة عظام، وفنانين متميزين، وزملاء دراسة رائعين.
وساعدني ذلك في تشكيل أسلوبي الفني وصقل شخصيتي الفنية، لتصبح لي بصتي الخاصّة ولمستي المختلفة فلا أكون مجرّد مقلد لأساليب ولوحات لفنانين آخرين كما تعلّمت في الجامعة استخدام الألوان بأنواعها المختلفة؛ كالألوان اليتية والمائية وألوان الخشب والفحم والطباشير، وتعلّمت الرّسم على خامات مختلفة كالخشب والقماش والورق.
بالإضافة إلى رسم مختلف الأشكال والأنماط؛ كرسم الأشخاص والحيوانات والطبيعة الريفية والمدن، ولا شكّ أنني تعرفت على المدارس الفنية كالتكعيبية والتأثيرية والسريالية، وتعلّمت كيف أتعدّى الواقع نحو الخيال والحقيقة نحو المجاز، فبدأت التعبير عن أفكاري من خلال الرسم بطريقة أفضل.
خلال دراستي الجامعية شاركت في معارض عدّة نظمتها الجامعة، وذلك في المناسبات الثقافية والوطنية المختلفة، إلّا أن المعرض الأخير كان لاأكثر تميّزًا بالنسبة لي، إذ حضر أهلي جميعًا هذا المعرض، وقد كان بمثابة شروع تخرج من الجامعة، وقد عرض زملائي أيضًا لوحاتهم، إذ كان معرضًا مشتركًا، وقد حضر الأساتذة والفنانون البارزون هذا المعرض وعلّقوا على اللوحات بالمدح.
تخرّجت من الجامعة بتقدير ممتاز، وبدأت بالتحضير لمعضي الفنّيّ المستقّلّ الأول، فاشتريت المواد اللازمة من ألوان ولوحات، وحدّدت الفكرة وبدأت بالتطبيق، وقد واصلت الليل بالنهار لإنجاز المعرض، فرسمت عشرين لوحة تصوّر الحياة في المدينة، وبعد الانتهاء من تحضير اللوحات، بحثت طويلًا عن مكان للعرض، وواجهت صعوبة كبيرة في إيجاد جهة تعرض لفنّان شاب ما زال غير معروف في الوسط الفنيّ، إلى أن وجدت أخيرًا مكانًا مناسبّا.
لم يكن المكان الذي اخترته كبيرًا جدًّا أو مشهورّا، فقد كان متواضعًا، إلا أن صاحب المكان وفر لي مساحة للعرض بعد طول عناء وبصدر رحب، فجهّزت المكان ورتبته فبات كأنه مكان جديد، وعلقت فيه لوحاتي العشرين بطريقة مميّزة، وأعلنت عن اليوم الموعود، موعد افتتاح المعرض، وقد وضع صاحب المكان لوحة إعلانية على البوابة الخارجية الأمر الذي ساعدني كثيرًا.
اففتحت المعرض بحضور الأهل والأصحاب وزملاء الدراسة والأساتذة القدامى وقد حضر كثيرون لا أعرفهم شخصيًّا، الأمر الذي لم أتوقّعه، وقد جعلني هذا متفائلًا، مضت أيام المعرض الثلاثة وأنا مستمتع، إلا أنني قلق قليلًا لعدم بيع الوحات جميعها، فهل نجح معرضي أم لا؟! وهكذا بقيت في حيرة من أمري على الرغم من سماعي لتعليقات مختلفة عن المعرض، أغلبها إيجابية، وقد قرّرت في نفسي أن أطور من أسلوبي أكثر في المعرض القادم.
بعد أيام من انتهاء المعرض اتصل بي أحدهم من رقم مجهول، وإذ به فنان مشهور كان قد حضر معرضي الفني عدما مر صدفة من مكان العرض، وقد أشاد بعملي كثيرًا، وقدّم لي عرض بالذهاب إلى باريس لإكمال دراستي في مجال الفنون، سعدت كثيرًا بهذا وحضّرت أوراقي المطلوبة وتقدّمت بطلب إلى جامعة مرموقة في باريس. وفرحت أيما فرح عندما جاء الرد بالقبول.
حزمت أمتعتي وودعت أسرتي وذهبت لأكمل رحلتي الدراسية لم تكن أيام غربتي سهلة فقد كنا أدرس نهارا في الجامعة وأعمل ليلا في مطعم للوجبات الرسيعة، إضافة إلى تحصيري للوحات فنية لأشارك فيها في معارض المدينة، وبالفعل تكللت جهودي بالنجاح وانهالت علي العروض من معارض في أماكن مختلفة مشهورة بالاهتمام بالفن واحتضان الفنانين، فتفرغت للرسم، وكنت أشعر بأنني الأكثر سعادة في الدنيا لأنني أعمل ما أحبّ.
الخاتمة: مهنتي المفضلة انعكاس إبداعي
وختامًا كان الفن رفيقي الدائم في مراحل حياتي جميعها، فهو ملاذي للتعبير عن شخصيتي وأفكاري ومشاعري، وقد ساعدني على تعزيز التفكير الإبداعي لديّ، فأبدعت أجمل الّلوحات بشغف وحبّ، فالفن مهنة سامية مارسها الإنسان منذ القدم، بدءًا من الرسم على جدران الكهوف وصولًا إلى الرسم بستخدام باستخدام برامج الكمبيوتر في عصرنا الحالي، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن الفن ضرورة نفسية وفنية وجماليّة للإنسان في العصور جميعًا.