تعبير عن القرية
المقدمة: القرية جذور للعطاء
من أجمل أيام العمر في حياة المرء هي تلك الفترات التي يقضيها في القرية التي تعتبر نبعًا للعطاء الذي تمتدُ جذوره من ذلك المكان، تلك المنطقة السخية التي تجود بكل ما فيها من خيرٍ وفير وهواءٍ نقي وحبٍ لا حدود له ووفاقٍ وانسجام ما بين قلوب القاطنين هناك، ففي القرية يتوافر للمرء كل سبل الراحة والأمان كما أنها تخلو من الاكتظاظ الذي قد يشوه وجه الحياة، فالقرية ذات مساحات واسعة ومنازل قليلة العدد مقارنة بسواها من المناطق، ويشتغل سكانها بالزراعة وتربية الماشية، وبعض الحرف اليدوية البسيطة.
العرض: الحياة في القرية إنتاج واندماج
تتمتع القرية بميزات تجعلها مكانًا ملائمًا للعيش أكثر من أي مكانٍ آخر، إذ تكون المساحة فيما بين المنازل أقل مما هو معتاد ونتيجة لذلك يتمتع المرء بالراحة والهدوء والخصوصية، فيكوِّن عالمًا من الاندماج والرفاهية بعيدًا عن منغصات الحياة وضوضائها، وللحدائق الغناء فيها والمساحات الخضراء التي تكون في كثيرٍ من الأحيان على امتداد البصر دورٌ كبير في شفاء الإنسان روحيًا؛ إذ يكفي أن يُطلق الإنسان بصره مخترقًا حدود الزمان والمكان التي قد لا يكون لها وجودٌ أصلًا، فتتدنى لديه مستويات التوتر.
يتخذُ سكان القرية من تربية الطيور مصدر رزق لهم إذ يقتاتون من تناول بيضها ولحومها، فمن البديهي أنّ تربية الطيور سيّما الدجاج له منفعةٌ كبيرة في منطقةٍ نائية ليس فيها سوى بقالة واحدة أو بقالات على مسافةٍ غير قريبة، لذا ستجدُ في كل بيت من بيوت القرية قِن دجاج، تتراكضُ فيه الدجاجات ويتبعها ديكٌ مغرور يختال بكل بهاءٍ وكبرياء، فهو الذكر المسيطرُ في القبيلة، وقد تشعرُ بالغبطة من رؤية صيصانٍ صفراء صغيرة، تمشي على وجل، فهي ما لبثت تخرجُ من أعشاشها، تغني في مرح بأصواتٍ تخرُجُ بخجل فهي ما زالت صغيرة كخطواتها في الحياة.
وإن كان المرء يحب تربية الحيوانات الأليفة فهي إلى جانب الرغبة في تربيتها تعتبر مصدرًا للإنتاج، سواءٌ أكانت حيوانات أم طيورًا، وإن لتربية الحيوانات أهمية عالية في القرية فهي مصدرُ غذاءٍ مهم للجميع وتلك الحيوانات تكون قريبةً من مالكيها فهي ليست حيوانات تشرب وتأكل وتنام وإنما هي كائنات حية يغدقها أصحابها بالدفء والاهتمام والرعاية فتقابلهم بألبانها ولحومها وشحومها، وإن لتلك الحيوانات إنتاج غزير نظيف ونقي ليس له مثيل لما لتلك الحيوانات من حرية التنقل بين الفيافي والمراعي الخضراء بهوائها العذب، ومياهها النقية
قد يتوسط القرية نهرٌ جارٍ يختال بين المنازل البسيطة، تشرب منه الماشيةُ حينًا ويلعب حوله الأطفالُ حينًا آخر، ولنساء القرية موعد مع التنظيف على أطراف النهر وتجاذب أطراف الحديث والسؤال عن بعضهم بعضًا، إذ يأخذون معهم بعض المأكولات الشهية، والحلوى والشاي والقهوة ويجتمعون حول النهر يغسلون أمتعتهم وينظفون فراشهم فالنهر الجاري خيرُ صديقٍ للإنسان ما فتئ يُطهر أبدانهم ويمحو تعب أيامهم، وللنهر آذان سمعت آلامهم وما تعبت من شكواهم، عرفت جراحاتهم وأخفت دموعهم.
ترى بين نساء القرية وأبنائها ورجالها وشيوخها وعجائزها نوعًا من الاندماج الذي لم يسبق له مثيلٌ في أي مكان آخر في العالم سوى في القرية، فترى من التعاضدِ والتكاتف ما يَشفي غليل الأيام، فلو ساءت حالةُ فرد ما من أفراد القرية رأيت جميعهم يهبُ لنجدته ومساعدته، والحيلولة دون تعرضه لمزيد من الأذى، ما أجمل ذلك التعاضد بين نساء القرية كلّها! فما تلبثُ امرأة تشكو ضنك العيش إلا هبت نساء القريةِ صوبها يحملن ما يقدرن عليه، متجهات نحوها يحفظن ماء وجهها ويُطعمن صغارها الجياع، ولا يتركنها فيزرنها كل حين ويسألن عنها.
قد يرغب أحد الشباب بالزواج فيبحثُ عن عروسٍ له يقضي معها كل أيامه، وما إن تبدأ تجهيزات العرس حتى تبدأ معه الأفراح والزغاريد في كل أنحاء القرية فتصبحُ القريةُ قصرًا مُنيفًا، تُضاء الأنوار وتشعَلُ المواقد استعدادًا لإعداد الولائم، حتى يخيّلُ للزائر في تلك القرية أنّ في كل بيتٍ عرسًا وأن لكل أمٍ شابًا أقبل على الزواج حتى الفتيات يفرحن لواحدةٍ منهن اختارها العريس الشاب، فيُجهزن أجمل الثياب المُحاكة من أفضل الأقمشة، تختار إحداهُن القماش باهتمام وتذهبُ صوب الخياطة لتحيك لها أجمل ثوب، لا حقد ولا كراهية ولا تلعنُ الحظ الذي لم يخالفها وإنما تعلم أن لها عند الله خبيئة لا يعلمها إلا هو سبحانه.
وعجائزُ القرية عالمٌ آخر من السحرُ والجمال ونقاء الأيام الخوالي، لله درهم من رجالٍ ونساء! يتحلقُ حولهم الكبار والصغار والفتيات والنساء يحكون لهم أجمل الحكايات عن ذكريات الزمن الغابر لهم لهجة محببة قريبة من القلب تزخر بالعطف والحنان لا ترى مثلها حتى لو دار الزمان ألف دورة، لأنهم ذوي بركةٍ لا تحل إلا بعبقِ وجودهم في كل جِلسة ومناسبة، بركةُ وجودهم ليس كمثلها بركة، الله وهبهم تلك النعمة فلو مرض أحد أطفال الحي تجدُ أمه تركض نحو تلك العجوز التي غابت ملامح وجهها من آثار السنين بعدما كانت من أجمل فتيات الحي.
تلكَ العجوز ما زالت جميلة لكن للعمر ضريبته وتلكَ هي ضريبة الكِبر، قُلنا تجيءُ أم الطفل على عجل أسعفيني طفلي يبكي منذ ساعة ولا يكاد يسكت حتى يعاوده البكاء، تُمسكه العجوز تسمي باسم الرحمن وتقربه من فؤادها وتتمتم فوق جسده ببعض آيات الذكر الحكيم، وتنفخُ بضع نفخاتٍ فوق رأسه، وما هي إلا لحظات حتى يهدأ الطفل ويغطُ في نومٍ عميق، هل كان يبكي؟؟ لا!! فتلك كِذبةٌ وتكاد الأم تجزمُ أنها تهذي، تلكَ البركة لا تجدها إلا في عجائز القرية قد وهبها الله إياها على غيرٍ علمٍ ودراية، إنما هي الفطرة التي جُبلت عليها العجائز.
الخاتمة: فسحة للتأمل والهدوء
يتوافر في القرية هواءٌ نقيٌ يحتاجه السكان لحياة صحية تملؤها عافية الأبدان وسلامةُ الأذهان، علّكَ سمعت مرة أن فلانًا مريض للغاية وقد بذل الأطباء ما استطاعوا من علاجات وأدوية ولم يَكتب له الله الشفاء بعد، فينصحهُ طبيبُ ما للذهاب في رحلة علاجية صوب القرية حيث الهدوء وصوت العصافير فالقريةُ فسحةٌ للتأمل والهدوء واستنشاق الهواء العليل حيثُ الطبيعةُ الغنّاء، ما يلبث أن يصل ذاك العليل حتى يبدأ بالتعافي ناسيًا مرضه وما جاء لأجله فالقرية هي المكان الأمثل للعلاج الطبيعي ما أجمل القرية وما أجمل الحياةَ فيها!
قد تستلهم من هذا المقال أفكارًا لكتابة تعبير عن القرية: وصف القرية .