تعبير عن الطائرة للأطفال
المقدمة: انظروا هذه طائرة في السماء
الطيران هو الحلم الذي راودَ الطّفل الصغير والرّجل الكبير، فيرفع كلاهما نظرَه نحو السّماء مُتمنيًا أن يكون في لحظة ما عصفورًا ليُحلّق في السماء، جاءت الطائرة فيما بعد لتُحقّق حلم الطّيران للجميع، فيركبها الإنسان ليتحوّل ولو في مُخيّلته على الأقلّ إلى طائر يصفّق بجناحَيْه ليجوبَ أنحاء العالم برمّته، وهو يعلو وينخفض في أفكاره ما بين الجبال والوديان ويطمح ألّا تنتهي تلك الرحلة، ففي الطائرة وحدها يستطيع الإنسان أن يكون حرًّا كما يريد، لا تأسره القيود ولا تكبّله الأصفاد التي يضعها سكّان الأرض على أنفسهم.
العرض: الطائرة رحلة مع الغيوم
انظروا (هذه الطائرة في السماء) صَيحة يُطلقها الأطفال في الأرضِ لمّا يلمحون أضواء الطائرة المُلوّنة تخترق السّماء على عظمتها، وتبدأ أيديهم الصغيرة وأصابعهم التي لما يكتمل نموّها بعد بالتلويح للطائرة ذات الجناحين، التي يعدّ ركوبها في يوم من الأيام حلمًا يصعُب الوصول إليه، ويتساءلون كيف تطير الطائرة؟ ويا لِفرحة الطّفل الذي يرى تلكَ العروس البيضاء قبل زملائه لتكون له حظوة اللقاء الأوّل، يفتخر على أقرانه كونه استطاع أن يرمُقَها بعينيه قبلهم، وتبدأ أفكار الطفولة بالتّحليق مع تلك الطائرة ومحاولة إيجاد وجهتها عبر عقولهم الصغيرة، فأحدهم سمع من معلم الجغرافيا أنّ الطائرة إن حلّقت واتّجهت إلى الشمال فإنّها حتمًا ستصل إلى واحدة من مناطق الخليج العربي لا محالة، ليقف الآخر مُكذبًا إيّاه أنّ وجهةَ الطّائرة هي الجنوب وليست الشمال، فينشأ العِراك الطفوليّ المُحبّب إلى الجميع.
أيًا كان اتجاه الطائرة فهي حتمًا نقلت بين جناحيها أناسًا من أوطانهم وإليها؛ ولذلك فإنّ الطائرة من أهم الآلات؛ حيث شهدت ما لم يشهده غيرها من الأحداث، فقد شهدت دموع الشوق والفراق والرغبة بالعودة إلى أحضان الأمهات، وشهدت دموع الفرحة التي تُبشّر بالعودة إلى ما فُقِد، الطائرة هي الآلة العظيمة التي تُحقّق الأحلام لبعض الناس وتُحطّمها لبعضهم الآخر، ولكن يبقى ركوبها حلمًا للجميع.
الطائرة هي الحلم الذي يُداعب خيال الأطفال؛ إذ حتى البرامج الكرتونية التي يُشاهدونها فإنها لا تخلو من الطيران سواء طيران الأبطال الخارقين بأنفسهم أم بالطائرات الحديثة، فينشأ الطفل وفي نفسه حبّ للطائرة بسبب تكرار مشاهدته لها في برامجه المفضلة، فالرجل الوطواط أو ما يسمونه "بات مان" لا يتخلّى عن طائرته السوداء التي توصله بسرعة إلى مكان الحادث فيساعد الأطفال والمحتاجين، فيحلم كلّ طفل في نفسه أن يكون الرجل الوطواط الذي يمتلك تلك الطائر الخارقة، الطائرة هي ذلك الحلم القريب البعيد بالنسبة لكل الناس على وجه هذه الأرض.
يرمقُ الطّفل الغيوم مِن وراء الزجاج الشفاف وهو مستلقٍ على الكرسي المريح، فتدور عيناه إزاءَ تلك المشاهد البديعة رائعة الجمال، وهو يرى كتلًا من القطن الأبيض المعلّق ما بين السماء والأرض، فيكون -على حد مخيلته- واحدًا من أبطال الخيال في إحدى الحكايات التي كانت تقصّها عليه جدّته في كل ليلة، الغيوم في هذه اللحظة تكون وحدها الحاضنة لذاكرة ذلك الطفل الصغير، ثم يتناول دفتره وقلمه ويبدأ بخطّ بضع من الخطوط الصغيرة التي تُوثّق ما يُشاهده من بديع خلق الله تعالى، ثم يغمض الطفل أخيرًا عينيه ويغفو وهو مستريح النفس طيّب الروح يستنشق عبقًا لا مثيل له من تلك القطع البيضاء الصغيرة لتزوره في حلمه كخرفان صغيرة جميلة.
الطائرة هي الواسطة بين السماء بغيومها والأرض بأهلها وأشجارها؛ حيث إنّهما عالمان مختلفان، كل منهما له قوانينه الخاصة وجماله الذي لا ينتهي، لكن لا يمكن أن تمرّ حياة الإنسان دون أن يتمنّى ولو لمرة واحدة أن يكون طائرًا أو يركب في طائرة ويُحلّق بين الغيوم ويسعى في السماء ليكون سيّد نفسه؛ حيثُ لا قوانين تحدّه ولا أسلاك تقسم السماء كما قسمت الأرض، هناك حيث يكون الإنسان في أعلى درجات حريّته.
قديمًا كان يقضي الإنسان عمره في مكانٍ واحدٍ، ولو حالفه الحظُّ لربما استطاع أن ينتقل إلى مكانٍ آخرَ، أمّا فوق ذلك فهو أمر صعب جدًا يؤدّي بالضرورة إلى هلاك النفس ولو بعد حين، فالتنقُّل ما بينَ البلدان أمرٌ ليسَ من السهولة بمكان، حتّى إنّ الذهابَ للحجّ في بيت الله الحرام كان يُعرّض النّاس لمجموعة من المخاطر التي تُودي بحياتهم في أغلب الأحيان مثل: التعرُّض إلى قطاع الطرق الذين يسلبون الناس أشياءهم في كثير من الأحيان، وأرواحهم بعض المرات.
لا يُمكن لأحدٍ أن يَصِف شعوره وهو يعلو على كلّ المخلوقات بآلة صمّاء، فيتمكّن مِن مُشاهدة ما انحرمَ منه أشخاص كُثر على مرّ الزمان، فيجد روحه وذاته ما بين السماء والأرض، ويرمق العالم بنظرة المتأمّل الذي يسعى دائمًا نحوَ الحقيقة التي لا يُمكن أن تُوجد إلا بين الغيوم الصادقة، تلك هي الطائرة الآلة التي تمنح الشعور بالأمان للإنسان، فيخلق ذاته بين الطيور ويعيش بينهم ولو لمدّة صغيرة من الزمن، فيعلم لماذا لا يحزن الطائر ولا يتكدر عيشه، فيتعلم في مدرسة الطيور ما لم يقدر على فهمه في مدرسة الإنسان.
الخاتمة: الطائرة حلمي للسفر حول العالم
استطاعت الطّائرة أن تكون الوسيلة الآمنة التي ضيّقت العالم حتى جعلته قرية صغيرة، فيستطيع المُسافر قَطع الكرة الأرضية مِن بدايتها وحتى نهايتها في بضع ساعات، حلمي الآن هو السّفر حول العالم عبرَ الطّائرة التي لا تأخذ من وقتي وجهدي شيئًا، والتنقّل بين البلدان لأتعرّف على الحضارات العَريقة، إنّ في السفر تحقيقًا لذاتي وصقلًا لمعارفي وموهبتي وتليينًا لطبعي ونفسي، أحلُمُ أن أركبَ الطّائرة وأنظُرَ إلى العالم من النافذة فأرى سكّانه وممتلكاتهم مجموعة من النمل الضعيف الذي لا يقوى على شيء، فأعرف كم أنّ الإنسان ضعيفٌ لا يقدر على شيء.