تعبير عن الأم الحنونة
الأم الحنونة آية من العطاء
العطاء هو نعمة من الله تعالى يهبه لمن يشاء من عباده دون رأي أحد ولا مشورته، وأعظم العطايا هي عطية الأم الحنون التي ينعم بها الابن طوال سنيّ عمره وكأن الله قد اختصه من فوق سموات ليكون هو المحظوظ دومًا عن كثير من العالمين.
كيف يمكن للإنسان ألا يكون شاكرًا لربه عطاءه في أم استقت قلبها من فردوس الجنة وكأن الملائكة قد عكفت تغسله من الكوثر حينًا من الدهر، الأم تلك اللفظة التي لا تخرج من بين الشفتين إلا وقد ضُمّت الأولى على الثانية في مشهد يرسم حال الأم حينما تضم وليدها، وكأن دقات الساعة تتوقف عند ذلك لتكون الأم وحدها هي كل شيء، كيف للإنسان أن يأوي إلى فراشه البارد كل يوم دون أن يستقي من نبع الحنان قبلة تدفئ فراشه وتزهر فيه مشاعرًا لا يمكن لأي إنسان تجاهلها.
العطاء قد يأخذ أشكالًا عديدة؛ فهناك العطاء بالمال حيث تكون الدنيا بين يدي الإنسان فيحسب نفسه سليمان عصره، وهناك العطاء بالأولاد، حيث يمتن الله على عبده بالأبناء من البنات والبنين، وهناك العطاء بالصحة وكثيرة هي العطايا، لكن عطاء الأم الحنون لا يشبه أي عطاء آخر، فلو حُرم الإنسان من حنان أمه لنشأ يتيمًا وعاش يتيمًا ومات بين جنبي اليتم ولو كان له من الأبناء ألفًا، إن يتم المشاعر لا يمكن أن يمحوه تعاقب الأيام والسنين وفقد الأم لا يمكن أن يعوضه حنان.
الأم هي الآية السماوية التي برهن الله بها للعبد حاجته الدائمة إلى حضن دافئ يحتويه في ليالي التعب الشاقة والباردة، الأم هي الإجابة عن كل أسئلة الكون وهي وحدها من تستطيع امتلاك حياك الآخرين، فعطاء الأم لا يمكن أن يضاهيه أي عطاء آخر.
حنان أمي يعزز شخصيتي
أنظر إلى نفسي في المرآة كل صباح لأتفقد معالم الحنان التي طبعتها أمي على وجنتي طيلة الليلة الماضية، لأنّ حنان أمي يسهم في إصلاح نفسي ليس من الداخل فقط بل أجزم أن أمي قادرة على احتواء آلامي وتطبيبها أمهر من أيّ طبيب قد وطئ الثرى منذ الأزل.
أذكر جيّدًا كيف كنتُ قبل ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي أصلحت أمّي في نفسي شيئًا كنتُ أعتقدُ أنّه قد كُسر ولن يعود، ارتميتُ في حضن أمي لأجد عندها الملاذ والمأوى، لكنّها لم تكن المأوى فقط، بل علّمتني كيف أواجه الحياة وأتشبّث بالأمل بأظافري، قالت لي وهي تمسح على شعري إنّ الحياة القاسية تصنع إنسانًا قويًّا لا يمكن قهره، ولكن عليه أن يعلم كيف يجعل هذه الضربات المتوالية من الحياة سهامًا يطلقها على اليأس فيسقط متهاويًا إلى الأبد، وما تزال كلمات أمّي تطرق مسامعي كلّما همّت الحياة أن تسقطني، فأقف من جديد أقوى من كلّ مرّة ألف ألف مرة.
الأم هي اللفظة الأولى التي يتقنها طفل عاش بين جنبيها تسعًا من الأشهر وبين أحضانها عمرًا طويلًا، أمي هي المرأة التي تنشلني من الضياع لتمسك بيدي وتشد عليها لأن الحياة من دونها صعبة أليمة لا يستطيعها إنسان إلا بأثمان غالية.
حنان الأم لا يعوض
إن الوردة لما تشرق وتزهر تكون منبع التفاؤل للناس ورمزًا للأمان والابتسامة والحنان، ولو حاول الإنسان أن يستعيض عن معاني الزهر ويأوي إلى معان أخرى للتعبير عن فيض ما يملكه من المشاعر للآخرين لما استطاع ذلك.
كيف بالإنسان أن يستعيض عن حنان أمه واحتوائها لابنها منذ أن كان نطفة حتى صار رجلًا عظيمًا، كيف يمكن للإنسان ألا يأوي إلى جسد قد تجعد في سبيل أن يصبح آخر رجلًا له صولته وجولته، إن الأم هي آية حب من السماء هبطت إلى الأرض وهل تكون الحياة غير أم؟ كيف للبشرية أن توجد دون امرأة تصبر على ألم حملها ووضعها وتربيتها لأبنائها.
أمي الحنونة يا شعلة أنرتها من قلبي فجمعت بثلاثة أحرف العالم بين يدي، يا أول كل شيء في هذه الدنيا ويا منبع الوجود والقائمة عليه، كيف لي أن أنصفك حقك وأنت التي ربيتني بين أجفانك حتى تريني كما أنا عليه اليوم من القوة والقدرة، وهل كان ذلك ليحدث لولا تضحيتك بعافيتك وقوتك فلا يشب جسد دون أن يبلى آخر، صحيح أن الحياة قضت أن تكوني الضحية لأجلي يا أمي ولكن صدقيني سأعكف عند قدميك فلا أستقي الرضا إلا من ماء روحك العذب، أمي يا محراب عمري ويا قديسة بداياتي أحبك جدًا.
إنّ حنان الأم هو بمثابة القيثارة التي يعزفها الأبناء مع كل صباح، فتترجم تلك الموسيقى على شكل ابتسامات تُطبع على أفواه العائلة، فالأم هي أغلى ما يملكه الإنسان في هذه الدنيا، وهو النعمة التي حباه الله إياها.
ماذا يفعل من فقد حضن أمه!
الأم هي نعمة الكون التي لا تستقيم الحياة إلا بها ولا يقام ميزان الأرض سالمًا من التشويه إلا بوجودها، الأم هي المثال الأول لمعاني الرحمة والأمان والصدق مجتمعة كلها في آن معًا.
تُرى ماذا يفعل من فقد حضن أمه، وكيف يستطيع أن يأوي إلى فراشه سالمًا من الكوارث النفسية التي تأبى الحياة إلا أن تلحقها به، فلو قُدّر له أن يبقى إلى جوار قبرها يستمدّ منها القوّة حتى في موتها لما رفض، بل لن يجد خيارًا أفضل من هذا الخيار، فأمّه منذ القديم هي الجدار القوي الصلب الذي يحتمي خلفه من الأخطار المحدقة به، هي العطف والحنان والقوّة مجتمعة في إنسان واحد، فكيف له أن يحيا دونها، وكيف له أن ينسى ما كانت تعلّمه؟
إنّ هذا الابن سيبقى يعيش على تعاليم والدته، يستمدّ منها قوانينه، ولكن يجب أن يعلم أنّ أمّه اليوم في يد من هو الرحمن الرحيم، الذي يحبها أكثر منه، ومن كان يحب عباده فإنّه لا يعذبهم، بل يكرمهم ويحسن إليهم، إنّ الله -تعالى- الذي قدّر لهذه الأم أن تلحق بالرفيق الأعلى يعلم حجم الفاجعة التي ستكون في قلوب أبنائها، فيخفّف عنهم ويطمئنهم أنّها في أمان وفي راحة أبدية تدوم إلى الأبد، فقد تخلصت من أعباء الحياة وصارت إلى الراحة الكبرى، وعلى الابن أن يظلّ وفيًّا لذكراها فلا يشوّهه بما يسيء إليها، وأن يكون بارًّا بها ويدعو لها ويستغفر ليكون الابن الصالح.
إنّ الأمّ ليست مجرّد كلمة نلفظها ونكتب عنها، هي أكبر وأسمى من ذلك بكثير، هي الحرف الذي يضم الشفاه عند النطق به، هي الإنسان الذي يلمّ شتات الأسرة ويجمعها على مائدة واحدة في بيت واحد في غرفة واحدة، هي الإنسان الذي يفيض حنانًا، هي التي إذا لزمنا أقدامها كانت لنا الجنة.
قد تكون مهتمًّا بهذا المقال: تعبير عن الأم .