تعامل الرسول مع أهل بيته
تعامُل النبيّ عليه الصلاة والسلام مع أبنائه
كثير العناية بهنّ
كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كثير الاهتمام والعناية بأبنائه، وقد زخرتْ كتب السيرة النبوية بمواقف كثيرة تؤكّد هذا؛ فقد جاء الحديث عن عائشة يُبيّن كيفيّة تعامل النبيّ مع ابنته فاطمة، واحترامه لها، وإكرامه إيّاها، فقد قالت: (كانت إذا دخَلَتْ عليه قام إليها، فأخَذَ بيدِها وقبَّلَها وأَجْلَسَها في مجلسِه، وكان إذا دخَلَ عليها قامت إليه، فأَخَذَتْ بيدِه فقَبَّلَتْه وأَجَلَسَتْه في مجلسِها)، وكان ممّا يدلّ على شدّة عنايته ببناته، واهتمامه باهتماماتهنّ ما جاء عن بعض الصحابة من أنّه لمّا ماتت بعض بناته في حياته، وقفَ على القبر وعيناه تدمعان؛ رحمة وشفقة بهنّ.
ومن مَحبّته لهنّ أيضاً أنّه كان يهتمّ بشؤونهنّ، ويحلّ مشاكلهنّ، ومثال ذلك أنّ ابنته فاطمة جاءته يوماً تشكو ممّا تجده من جهد العمل، فطلبت منه أن يُحضرَ لها خادماً، فقال لها ولزوجها: (ألا أدُلُّكُما علَى ما هو خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ؟ إذا أوَيْتُما إلى فِراشِكُما، أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهذا خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ).
يهتم بشؤونهنّ
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاهتمام وتلك الرّعاية المباركة كانت نهجاً أصيلاً في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم تكن مواقف عابرة أو مفتعلة، وقد شكّل بذلك قدوة لغيره من المُسلمين؛ إذ عاملهنّ بالرحمة، والحِكمة، وظهر ذلك في كثيرٍ من مواقف حياته، ومنها:
- اهتمامه بهنّ عند مرضهنّ؛ فقد أمر النبيّ عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- أن يبقى عند زوجته رقيّة؛ ابنة رسول الله، ويهتمّ بها عندما أراد التوجُّه إلى معركة بدر؛ إذ كانت مريضة.
- دعوته إيّاهنّ إلى الإسلام بالرحمة، والحُسنى؛ فقد جاء في الحديث أنّه لمّا أمر الله نبيّه بالجهر بالدعوة، نادى على الناس وكان من ضمنم ابنته فاطمة، فقال لها: (ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا).
- إدخال الفرح إلى قلوبهنّ، كما كان يأتمنهنّ على أسراره، ويقوم لهنّ، ويُحسن استقبالهنّ، بالإضافة إلى أنّه كان يسارع إلى تزويجهنّ بعد بلوغهنّ وتحقّق رجاحة عقولهنّ ومتانة دينهنّ، وكان يأمرُهنّ بالحجاب، ولبس الساتر من الثياب.
- المسارعة في حلّ الخلافات التي قد تطرأ بين بناته وأزواجهنّ، والتّدخل للإصلاح بينهما، كما كان يحرص عليه السلام على متابعة أخبارهنّ واهتمامهنّ بأمر الآخرة، وينصحهنّ بالحذر من الرّكون إلى الدنيا ومتاعها الزائل.
- الحرص على إدخال الفرح إلى قلوبهنّ؛ فقد جبر خاطر ابنته زينب بفداءِ زوجها أبي العاص بن الرّبيع إذ كان من أسرى بدر، واشترط عليه أنْ يُرسِل ابنته زينب إليه في المدينة، ومن مواقف حرصه على إسعاد بناته أنّه عليه السلام تكفّل بالعقيقة عن الحسن والحسين ابنا ابنته فاطمة، بل إنّه كان حريصاً على الاهتمام بهنّ حتى بعد وفاتهنّ؛ فقد كان يوجّه أم عطية الأنصارية ومن معها في غسل ابنته زينب، وأمر بثوبٍ له ليوضَع على جسدها.
تعامُل النبيّ عليه الصلاة والسلام مع زوجاته
تثبتُ كتب السيرة النبوية كثيراً من المواقف في تعامل النبي عليه السلام مع زوجاته؛ حيث كان لهنّ نِعمَ الزّوج من خلال المعاملة الحسنة معهنّ، ومن هذه المواقف:
مساعدتهنّ في أعمال المنزل
فقد كان النبيّ يهتمّ بِخدمة نفسه، إلى جانب مساعدتهنّ؛ فقد قالت عنه زوجته عائشة: (يخصِفُ نعلَهُ، ويعملُ ما يعملُ الرَّجلُ في بيتِهِ)، وكان يصنع طعامه بنفسه، وينجز أيّ شيء يعرض له من عمل البيت.
عطف النبيّ عليهنّ
مما يدل على حسن تعامل النبي مع زوجاته عطغه عليهنّ، ومؤانسته لهنّ في الليل، وإيصالهنّ إلى حُجراتهنّ، ومُساعدتهنّ في تخفيف الأعباء، والمَشقّة عنهنّ، كما كان يساعدهنّ في الصعود على الدابّة، ومثال ذلك أنّ زوجته صفيّة -رضي الله عنها- جاءته يوماً وهو مُعتكف في المسجد، فتحدّثا إلى بعضهما، وعندما أرادت الانصراف، قام معها النبيّ، وأوصلها إلى بيتها، وهذا من رحمة النبيّ بزوجاته، وقد كان يقوم الليل، ويسهر مع زوجاته، ويتحدّث معهنّ أيضاً.
تحمُّله وصبره عليهنّ
تحمُّله وصبره عليهنّ ممّا قد يقع منهنّ من الغيرة، كما كان يصبر على مناقشتهنّ إيّاه، علماً بأنّ هذه التصرُّفات كانت غير مقبولة لدى قريش، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يُعلّم الناس أنّ هذا من الأخلاق العالية للرجل، ويظهر صبر النبي في عدّة صُور، منها: صبره على هجرهنّ له؛ فقد كان النبيّ يتقبّل من نسائه مناقشتهنّ إيّاه في كلامه، فقد أنكر عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على زوجته رَدّ كلامه إليه، فقالت له: (فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ).
بالإضافة إلى صبره على سؤالهنّ إيّاه النفقة الزائدة ممّا ليس عنده؛ فقد كان النبيّ يتحمّلهنّ في ذلك، ويصبر على الأمور التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجيّة، ومن ذلك أنّه جلس وحيداً لا يأذن لأحد بالدخول إليه إلّا لأبي بكر، وعُمر -رضي الله عنهما-، ولمّا سألاه عن سبب سكوته، أخبرهما أنّه بسبب سؤال زوجاته النفقة ممّا ليس عنده.
وصبره على سؤالهنّ له في مسائل شرعيّة؛ فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أعلم الناس بدين الله، وكنّ يسألنَه كثيراً، ويُجادلنه في بعض المسائل الشرعيّة، وكان هو بدوره يُعاملهنّ بلُطف، ولِين، ومن ذلك حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مع حفصة -رضي الله عنها- في قصّة أصحاب الشجرة عندما قال: (لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ: (وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها) فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا)). وصبره على ما يقع منهنّ من تصرُّفات مختلفة، كفعل إحداهنّ أمراً دون علمه، فلا يُعنّفها، بل يصبر عليها، ويرحمها.
إسعادهنّ
فقد كان حريصاً كُلّ الحرص على إدخال الفرح، والسرور على زوجاته، ويتعامل مع كُلّ واحدةٍ منهنّ بما يُناسب عُمرها، وميولها، ومن ذلك موقفه مع زوجته عائشة -رضي الله عنها-، حيث تقول: ( لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا علَى بَابِ حُجْرَتي والحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتُرُنِي برِدَائِهِ، أنْظُرُ إلى لَعِبِهِمْ)، كما أنّه كان يُناديها بالحُميراء؛ لما فيها من معاني الدلال، والمَحبّة لها.
مُشاورتهنّ
مُشاورتهنّ والاهتمام بآرائهنّ؛ فكان النبيّ يأخذ آراءهنّ في بعض أُمور الدين، والدولة، ومن ذلك مُشاورته لزوجته أُم سلمة -رضي الله عنها- في صُلح الحُديبية عندما أمر الصحابةَ بالتحلُّل من إحرامهم، فلم يقم أحدٌ منهم، فاستشار زوجته أُم سلمة في ذلك، فقالت له: (اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا)، وهذه المشورة تزرع السكن والمودّة بين الزوجَين، فينسى الرجل هُمومه، وأعماله، ويكون بذلك مُحِبّاً لأهل بيته.
التلطُّف معهنّ
فقد كان يُنادي على عائشة بترخيم اسمها، ويُخبرها بالأخبار السعيدة، ويتعامل معها بِكُلّ لُطف، ومن ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: (كُنْتُ أشْرَبُ وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وأَتَعَرَّقُ العَرْقَ وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِعِ فِيَّ)، وكان النبيّ يستغلّ أيّ موقف لإدخال السرور عليهنّ، فقد رُوِي أنّه تسابق مع عائشة مرَّتَين؛ فسبقته في الأولى، وسبقها في الثانية، وقال لها: هذه بِتلك،
مُعاملتهنّ بالمودّة والرحمة
ومن صُور المودّة، والرحمة في حياة النبيّ مع زوجاته أنّه ذات يوم دخل على صفية -رضي الله عنها- وهي تبكي، فسألها عن سبب بُكائها، فقالت إنّ حفصة عيّرتها بأنّها بنت يهوديّ، فقال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّكِ لَابنة نَبيٍّ وإنَّ عمَّكِ لَنَبيٌّ وإنَّكِ لَتحتَ نَبيٍّ فبِمَ تفخَرُ عليكِ) ثمَّ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (اتَّقِ اللهَ يا حَفصةُ)).
وفي هذا الحديث تطييب لخاطرها، وبيان أنّها زوجة نبيّ، وأُمّ للمؤمنين، كما أنّها تنتسب إلى نبيَّين، هما: موسى، وهارون -عليهما السلام-، وهناك موقف آخر للنبيّ مع عائشة، حيث قال لها: (إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ).
عدله مع نسائه
فالعدل هو الأساس الذي كان سائداً في بيت النبيّ، حيث كان يعدل بين زوجاته بالمبيت، والنفقة، وحُسن العشرة؛ سواءً كان في الحضر، أو السفر، وقد جعل لكلّ واحدةٍ مِنهنّ حُجرة خاصّة بها، إضافة إلى أنّه كان يبيت عند كلّ واحدة منهنّ ليلة، ويُوزّع ما يكون معه بينهنّ بالتساوي، وفي حال سفره يُقرع بينهنّ قُرعة، فتسافر معه التي يخرج اسمها فيها.
أمّا في حجّة الوداع، فقد أخذهنّ كلهنّ، واستمرّ النبيّ على هذا العدل حتى لمّا اشتدّ عليه المرض، إلّا أنّه في النهاية أستأذن أزواجه في أن يُمرّضَ في حُجرة عائشة فأَذِنّ له، وعلى الرغم من ذلك، إلّا أنّ النبيّ كان يعتذر إلى الله فيما لا يستطيع العدل فيه؛ وهو المَيل القلبيّ؛ لأنّ الإنسان لا يملكه.
وفاؤه لهنّ
هذه الصفة ميّزت بيت النبيّ، ومن صُور ذلك وفاؤه لزوجته خديجة؛ فلم يتزوّج عليها حتى ماتت؛ لنصرتها النبيَّ، ودعوته، والوقوف إلى جانبه بنفسها، ومالها، فبقيَ النبيّ وفيّاً لها حتى بعد وفاتها، حيث كان إذا ذبح شاة يُرسل بعض اللحم إلى أصدقائها، ويذكر مواقفها معه أمام زوجاته الأُخرَيات.
تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع أحفاده
كان النبيّ يُعامل الناس جميعهم بالرحمة، واللطف، وخاصّة أحفاده، وقد تجلّى اهتمامه بهم في كثير من المواقف والصور، ومن ذلك:
- كان يُصلّي بالناس ذات يوم، فجاءته أُمامة؛ وهي بنت ابنته، فإذا كان واقفاً حملها بين يديه، وإذا سجد وضعها على الأرض.
- كان ذات يوم يُصلّي، فجاءه الحسن، والحسين، فركبا على ظهره وهو ساجد، فأطال في سجوده إلى أن ذهبا.
- كان ذات يوم يخطب بالناس، فرأى الحسن والحُسين وقد لبسا ثوبَين جديدَين، فنزل عن المنبر، ووضعهما بين يديه، وقال قول الله: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
- كان يسمّيهم بأحسن الأسماء، وكان يُقبّلهم، ويحملهم على ظهره، ويُحبّهم كثيراً، ويُلاعبهم، ويضحك معهم، ويرقيهم في حال مرض أحدهم، وكان يُجلس بعضهم على الدابّة، وبهذا يتبيّن أنّ علاقته بهم كانت علاقة المُحِبّ لهم، والحنون عليهم.
أخلاق النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم في بيته
تعدُّ تصرفات المرء في بيته معياراً صادقاً للحكم على أخلاقه؛ فالبيت هو المكان الذي يتفاعل فيه الإنسان مع أسرته دون تكلّف، وأعظم مثال على الأخلاق الرفيعة في البيت هو النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد سُئِلت عائشة زوجة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن عمله في البيت، فقالت: (كان بَشَرًا مِن البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه)، إذ كان النبيّ مثالاً للتواضع؛ فيخدم نفسه، ويخدم أهله، وإذا سمع الأذان، خرج إلى الصلاة.