تطور النظرية الواقعية في العلاقات الدولية
تطور النظرية الواقعية في العلاقات الدولية
تعد النظرية الواقعية في العلاقات الدولية من أهم النظريات في علم السياسة ، وكانت بمثابة رد على المدرسة المثالية التي تهدف إلى إقامة نظام دولي تسوده العدالة، ووقف الحروب، بينما تقوم المدرسة الواقعية على تحديد المصالح، وضبط العلاقات بناءً عليها، كما أنها تؤكد على القوة كعنصر أساسي.
ومرت النظرية الواقعية بتطورات عديدة وتعد من النظريات المغرقة في القدم، فهي بالأصل تظرية يونانية، أسسها مفكر يوناني يدعى ثوسيديديس ، وكان لها أصداء كبيرة فتطورت في العصر الحديث واستمر هذا التطور حتى الفترة المعاصرة.
جذور النظرية الواقعية في الفلسفة اليونانية
يعد الفيلسوف والمنظّر السياسي الكلاسيكي ثوسيديديس (460- 400 ق. م) من أهم المؤرخين، وأسس النظرية الواقعية السياسية من خلال مجموعة من المبادئ والأفكار، وكان السبب فيها هو معاصرته الحرب بين أثينا وأسبرطة، التي تخللها صراع مسلح، ومن خلال هذه الحرب تأمل ثوسيديديس في السياسة، وحاول وضع الأسس الناظمة لعلاقة أثينا بالدول الأخرى.
فتوصل في كتابه تاريخ الحرب البيلوبونيسي ة إلى أن السياسة غالبًا ما تتضمن أسئلة أخلاقية، فهناك تيارين، إما التفكير في مصالح أثينا، من غير أن تأبه بحال باقي الدول، أو أن تكون العدالة والإنسانية والسلام هو ما يضبط سلوك الدولة، فبجعلها تتجنب الصراعات المسلحة، والحروب وإراقة الدماء.
ومن خلال استقراء للأحداث توصل إلى أن تفكير الدولة في قوتها ومصالحها حق، وبذلك انحاز للرؤية الواقعية، واستبعد الرؤية المثالية في السياسة الخارجية، وحجة الأثنيين في غزو الدول الأخرى تقوم على أساس فرض القوة، واستمرار هيمنتها، وذكر أحد مبعوثي أثينا في ميلوس أن الدولة لا تكون ذات سيادة واستقلال إلا إذا كانت قوية.
فطريقة تفكير الأثنيين لا تعتمد النظرة إلى السياسة من خلال ما يجب أن يكون، بل من خلال ما هو كائن، والبحث في ما يجب أن يكون هو أمرٌ مستحيل، وحالة مثالية لا تتماشى مع الطبيعة البشرية، ومن هذا المنطلق من الممكن تحديد الملامح العامة للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية من خلال النقاط التالية:
- الاعتماد على فكرة اللاسلطوية
إن الواقعيين والواقعيين الجدد يعتمدون على فكرة الأناركية، أو اللاسلطوية لتحديد نتائج السياسة الخارجية، والدولية، فحالة انعدام السلطة المشتركة التي تضع القواعد وتعمل على إنفاذها، ويترتب على هذا الأمر أن الساحة الدولية ستكون نظام مساعدة ذاتية، فكل دولة ستسعى إلى تحقيق مصالحها وزيادة قوتها، ونفوذها، ومن الملاحظ أن الأناركية تؤدي إلى أن تكون القوة العنصر الوحيد الميمن على العلاقات الدولية .
- اعتبار الأمن من القضايا المركزية
على الرغم من أن القوة عنصر أساسي في تحديد نسق العلاقات الدولية إلا أن المدرسة الواقعي أولت الأمن اهتمام كبير، وعدته في إحدى المراحل قضية مركزية، ولكنه مرتبط أيضًا بالقوة، فلكي تضمن الدولة أمنها يجب أن تكون قوية، خاصة من الناحية العسكرية.
- الفصل بين السياسة والأخلاق
فصلت النظرية الواقعية بين السياسة و الأخلاق ، فالنظام الدولي لا تحكمه أنساق أخلاقية معينة، ويجادل الواقعيون بأن الأخلاق تختلف من دولة إلى أخرى، كما أن متطلبات المجال الأخلاقي تختلف عن متطلبات السياسة والعلاقات الدولية.
النظرية الواقعية في العصر الحديث
لا يمكن الحديث عن النظرية الواقعية في العلاقات الدولي في العصر الحديث دون التطرق إلى بعض المفاهيم الأساسية، ومنها ما يلي:
الطبيعة البشرية
وهو مفهوم رئيسي في الفلسفة الحديثة عند فلاسفة العقد الاجتماعي، مثل جون لوك، وجان جاك روسو، وتوماس هوبز، إلا أن النظرية الواقعية ترتبط برؤية هوبز للطبيعة البشرية فرأى أن الإنسان بطبعه كائن أناني، وحالة الطبيعة هي حالة صراع الكل ضد الكل، ونتيجة لهذا الصراع قرر الأفراد الاتفاق على وجود سلطة تحكمهم، فالحكم يقابله الأمان، وتضمن ألا يعتدي شخص على ممتلكات شخص آخر.
لذلك نجد أن هوبز وضح في كتابه الليفيثان، أو التنين أن النظام الملكي المُطلق هو الشكل الأمثل لنظام الحكم، واستمد المفكرون اللاحقون من فلسفة هوبز حالة الصراع، وأخذوا بها في العلاقات الدولية.
القوة
وهو مفهوم رئيسي، بل إن النظرية الواقعية في العلاقات الدولية لا يمكن دراستها دون دراسة مفهوم القوة، ومن أهم المفكرين الذين قدموا هذا المفهوم ودشنوه في النظرية الواقعية المفكر الإيطالي نيقولا ميكافيلي، وذكر في كتابه الأمير مجموعة من الوصايا التي أكد فيها على ضرورة أن يكون الأمير والدولة مهيبان، ولهما سيادتهما مهما كلف الأمر.