تطبيقات السياسة الشرعية في عهد الخلفاء الراشدين
تطبيقات السياسة الشرعية في عهد الخلفاء الراشدين
يمكن القول بأن السياسة الشرعية: هي التدابير والأحكام التي يراها الحاكم في مصلحة العباد والبلاد، والتي تجلب النفع أو ترفع الضرر، ولو لم تكن منصوصة في القرآن الكريم ولا السنة النبوية الشريفة، وقد يكون عمل الحاكم في ظاهره معارضاً للحكم الشرعي ، ولكنه في جوهره وحقيقته تطبيقٌ للقواعد العامة للنصوص الشرعية وعملٌ بروح الشريعة.
إذْ في بعض الأحيان يكون الجمود والإصرار على تطبيق حكمٍ شرعي مؤدٍّ إلى مفسدةٍ لم تكن مقصودة من تشريع هذا الحكم الشرعي ابتداءً؛ فيرى الإمام أن روح الشريعة لم تقصد المآلات التي نتجت من تطبيق هذا الحكم الشرعي بهذا الوضع.
ويقوم حينها الحاكم بإيقافه أو تخصيصه أو تشريع حكم شرعي جديد مبني على قواعد وأصول الشريعة؛ ليحقّق غاياتها ومقاصدها العظيمة، وقد كَثُرت تطبيقات السياسة الشرعية في عهد الخلفاء الراشدين، وفيما يأتي ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
تطبيقات السياسة الشرعية في عهد أبي بكر الصديق
إنّ من السياسة الشرعية التي اتّخذها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قيامه ب جمع القرآن الكريم في كتاب واحد بعد أن نبّهه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى ذلك، وذلك بعد أن كثر القتل في قرّاء وحفّاظ القرآن الكريم من الصحابة يوم اليمامة، فكان أبو بكر خائفاً من فعل شيءٍ لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن عمر ما زال بأبي بكر يقنعه بخير جمع القرآن وما فيه من المصالح حتى اقتنع بمصلحة هذا الأمر، فقام بجمع القرآن الكريم.
وقد كان فعل أبي بكر من قبيل السياسة الشرعية، حيث رأى فيه مصلحة عظيمة رغم أنه لم يرد فيه نص شرعي يأمر به، ولم يرد به نص شرعي ينهى عنه، فكان مصلحة مرسلة عمل بها أو بكر حفظاً للقرآن الكريم من الضياع من بين أيدي الناس بعد جيل الصحابة.
وكذلك كان فعل أبي بكر الصديق في الوصية بجعل الخلافة في رقبة عمر بن الخطاب من قبيل السياسة الشرعية، فلم يرد نص بولاية العهد ولا بالتعيين، ولكن ارتأى أبو بكر صلاح عمر لهذه الأمانة، فعهد إليه الخلافة بعد أن استشار مجموعةً كبيرةً من الصحابة بذلك.
تطبيقات السياسة الشرعية في عهد عمر بن الخطاب
كانت خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خلافة عامرة بتطبيقات السياسة الشرعية، فكان عمر عبقري السياسة الشرعية، ومما فعله من سياسات شرعية أنه أمر بضرب الدواوين ، ولم تكن معروفةً عند العرب، كما لم يرد فيها حكم شرعي منصوص، بل أمر بها من قبيل عظيم نفعها، إذ توسّعت رقعة الإسلام في زمنه، وزادت أعداد المسلمين، وتنوعت مصادر الدخل، وكثُرت عليه الحسابات؛ فأنشأها.
وكذلك فقد أوقف عمر سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن قويت شوكة الإسلام، ولم يَعُد الإسلام بحاجةٍ لرجالٍ يشدّون دعائمه، فأوقف عمر سهم المؤلفة قلوبهم؛ وهم الذين كان يدفع لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لمنع ضررهم عن الإسلام، ولتأليف قلوبهم لدخول الإسلام.
تطبيقات السياسة الشرعية في عهد عثمان بن عفان
لقد قام عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بإحداث أذان قبيل أذان الجمعة؛ وذلك لِما رأى فيه من خيرٍ عظيمٍ، حيث ينبّه الناس إلى التوجّه لصلاة الجمعة والاستعداد لها، ولم يخالفه أحدٌ بذلك من الصحابة، فكان عمل عثمان من قبيل السياسة الشرعية التي تجلب المصالح للناس.
تطبيقات السياسة الشرعية في عهد علي بن أبي طالب
يرى أهل التحقيق في السِّير أنّ عليّ -رضي الله عنه- كان ينظر إلى مسألة القصاص والثأر من قتلة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- نظرة مصلحة ومفسدة، وكان اجتهاده يقوم على أنّ مصلحة الدولة والرعيّة تقتضي تأخير القصاص وعدم استعجاله، وهذا التأخير لا يعني التَّرْك، ولكنّ علياً كان يدرك أنّ قتلة عثمان حينها غير معروفين بأشخاصهم، كما كان بحاجة اسْتِتْباب الأمن والهدوء بعد فتنة مقتل عثمان.